رجب.. حوش صاحبك عني!

TT

رجب طيب أوردغان الزعيم التركي بات نجم الوساطات والموقف المتأزم في غزة. فهو في موقف فريد جدا وعلى مسافة واحدة من أطراف الأزمة والدول الإقليمية المعنية بها، ومع كل ذلك تبنى موقفا مبدئيا وأخلاقيا من المجاز الإسرائيلية بحق غزة وسكانها، وابتعد عن الخطاب الدبلوماسي الهادئ المليء بالكلمات المنمقة والعبارات المحسوبة وقام بتوضيح موقفة بصراحة، محملا إسرائيل بوضوح شديد مسؤولية المجازر التي تحصل في غزة وتحذيره الشديد لها بعواقب ذلك. أوردغان كان يتحدث من موقع قوة وثقة، فهو منتخب من الشعب، ومظاهرات الشارع التركي والغضب الذي فيه تجاوزت الملايين وشرعية أوردغان مستمدة من ناخبيه، ولذلك كان يعني ما يقول وأجبر العالم على الاستماع اليه. ولا تكون مبالغة حينما نقول أن أوردغان استطاع «قراءة» مقاصد إسرائيل الحقيقية جراء ما يحدث في غزة اليوم، وهو تصريح مقتضب أدلى به العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حينما قال إن هناك مخططا واضحا لتصفية القضية الفلسطينية. إسرائيل تريد «إخراج» غزة بالقوة ورميها في أحضان مصر، وإعادة القطاع برمته للإدارة المصرية بمشاكله الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإخراجه من معادلة الكيان الفلسطيني تماما، ولكن هذه ما هي إلا المرحلة الأولى فقط من هذا التوجه الشرير. فهناك طبعا بطبيعة الحال الجزء الثاني الذي سيبدأ «باستفزاز» على الضفة الغربية لإحداث القلاقل وإجبار الحل نفسه الذي حدث لغزة بنقل كل الضفة ومواطنيها الى الأردن للتعامل معها. إسرائيل غير مقتنعة بفكرة الدولة الفلسطينية أصلا، وكانت تماطل طوال الفترة التي مضت لكسب المزيد من الوقت «السلمي» لفرد عضلاتها على الأرض لتغيير الأمر الواقع بزيادة عدد سكانها في مناطق «جدلية» وتوسيع رقعة أراضيها ووجوده وإجبار العالم على قبول «الواقع على الأرض» بحذافيره. وما كان وعد الرئيس الأمريكي جورج بوش بإقامة دولتين متجاورتين إسرائيلية وفلسطينية سوى هراء في الهواء، واقع الأمر أن ما من رئيس سابق في الولايات المتحدة الأمريكية مكن إسرائيل وآلتها العسكرية المسعورة من اقتراف جرائم أشبه بالممارسات النازية مثله، ومنح للاحتلال والاغتيالات والاستبداد وإرهاب الدولة شرعية وغطاء غير مسبوق قط. لم يحدث البتة أن مارست إسرائيل عدوانها بهذه الشراسة والجبروت أمام أنظار العالم، فتقتل النساء والأطفال قبل الرجال، وتدمر المشافي والمساجد قبل الثكنات العسكرية، وتقصف مقار الأمم المتحدة وسيارات الإسعاف قبل السيارات المسلحة. إسرائيل في فلسطين تظهر للعالم أن الجريمة الكاملة ممكنة، وأن المجرم ممكن أن يفر من العدالة وهو يضحك ويغرد. ولكن هناك يقظة ما تحدث في العالم ضد إسرائيل، هناك غضب تصاعدي ضد الممارسات الوحشية لهذه الدولة المارقة، من النرويج الى فنزويلا، من باريس الى إندونيسيا، من كيب تاون الى مدريد، هناك غضب شعبي كبير يرفض إسرائيل وممارساتها، وهذا لا بد أن يترجم بخسارة لإسرائيل في ساحات العلاقات العامة الدولية المهمة، فتغير الصورة النمطية لإسرائيل من دولة ضعيفة ومستهدفة الى دولة جبارة وطاغية وقاتلة. رجب أوردغان وضح موقفه صراحة من العدو الإسرائيلي ولن تصغي إسرائيل للصديق التركي لأنه قال الحق، وستمارس جرائمها وتضرب بكل قرارات العالم بعرض الحائط لأنه وبحسب تصاريح باراك وزير الدفاع الإسرائيلي «الأهداف الحقيقية للهجوم على غزة لم تحقق بعد‍!».

[email protected]