أردوغان الذي نجحت إسرائيل في إغضابه

TT

عندما وقف رجب طيب اردوغان على باب مكتبه يودع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، متعهدا الاتصال به خلال ساعات لنقل الاجوبة والردود السورية على الاقتراحات والمطالب التي حملها الى الوسيط التركي حول المفاوضات الدائرة بشأن الجولان، لم يكن يعرف أن الأخير اعطى وقبل ايام موافقته على تحديد ساعة الصفر موعد اطلاق العمليات الحربية الاسرائيلية ضد غزة، وان تل ابيب تلطت وراء حكومة العدالة والتنمية للتمويه، وصرف الانظار الاقليمية والدولية عن عمليتها هذه. ربما هذا هو السبب الاساسي الذي اغضب اردوغان واستفزه ودفعه الى شن حملة واسعة ضد اسرائيل، بدأها بوصف ما فعله اولمرت بأنه يندرج ضمن باب قلة احترام لتركيا ودروها وموقعها، واهانة لجهودها التي بذلتها طيلة اشهر كاملة على طريق الوساطة الاسرائيلية ـ السورية.

لكن اردوغان لم يتوقف عند ذلك طبعا، فكلما زاد حجم الضغوطات والغارات والهجمات ضد الفلسطينيين العزل في غزة، كلما صعد في اسلوبه الهجومي وانتقاده لتل ابيب وما تقوم به. الاسرائيليون اتهموه بالعاطفية والبعد عن الواقعية وترجيح طرف على آخر، فلم يتأخر في الرد «نعم انا عاطفي عندما تكون غزة والشعب الفلسطيني، هو الضحية وبيت القصيد». تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية دعته لتحديد موقعه في المعادلة الجديدة التي تتشكل في غزة، فلم يتردد في تذكيرها انها تخاطب رئيس وزراء الدولة، التي انقذتهم من المجازرالاسبانية قبل قرون، وانهم البلد الذي فتح ابوابه على مصراعيها امام اجدادها المضطهدين والمطرودين والفارين.

كتاب واعلاميون اتراك حذروه من ان التظاهرات الحاشدة المتواصلة في المدن التركية ضد اسرائيل، والتي تدعمها حكومته مباشرة ستكلفه غاليا في منتصف نيسان المقبل، موعد مناقشة الموضوع الأرمني في مجلس الشيوخ الاميركي، وان تل ابيب لن ترد على هاتف اردوغان بدورها، تماما كما فعل هو عندما رفض محادثة رئيس الوزراء الاسرائيلي قبل ايام، فأجاب محتدا انا رئيس وزراء الدولة الذي استبقته اسرائيل نصف ساعة كاملة ينتظر داخل سيارته على معابر رام الله، والآن يحاولون اعطائي دروسا في الدبلوماسية والديمقراطية.

المعارضة السياسة التركية تتحداه في ان ما يقوله هو فقط للتسويق المحلي، على عتبة الانتخابات البلدية المقبلة، وان اولمرت اطلعه على عملية غزة قبل حدوثها خلال لقائهما الأخير في العاصمة التركية فيرد بالقساوة نفسها، كنتم قبلنا في الحكم ماذا فعلتم انتم وقتها.. نحن ندير دولة ولا ندير متجرا. حماس طبعا لها اخطاؤها ومسؤوليتها في ايصال الأمور الى ما هي عليه اليوم، لكن ثمن ذلك لن يكون مئات القتلى والجرحى من الابرياء وتهديم المدينة فوق رؤوسهم.

أردوغان غاضب، فهناك في الداخل والخارج أيضا من يحاول عرقلة الدور التركي الاقليمي في موضوع غزة، عبر الربط بين ما يجري على الاراضي الفلسطينية، وما يدور في شمال العراق لناحية العمليات الحربية التي تنفذها القوات التركية ضد حزب العمال الكردستاني، والدور الاميركي هناك، لكنه اكد انه سيستمر حتى النهاية في الدفاع عما بدأه، رغم كل هذا الابتزاز وكل العراقيل والعوائق، التي يحاول البعض ان يزرعها امامه.

اردوغان لم يتردد وهو يعرف تماما انه يغامر في الجمع والمساواة بين زيارة القاهرة ودمشق في الوقت نفسه، حاملا الاقتراحات والمشاريع والمساهمات التي قد تنفع لانهاء معاناة غزة، ويعرف اكثر ان عدم زيارة تل ابيب التي تحاول المعارضة التركية وبعض الاقلام المؤيدة للدولة العبرية لعب ورقتها لناحية اعلانها ان ذلك سيكلف تركيا كثيرا، لأنها رجحت علنا خيار الوقوف الى جانب العالم العربي والفلسطينيين ففجرها هذه المرة، معلنا انه لن يحسب حسابا لما ستقوله تل ابيب وما ستفعله، فهي قالت كلمتها ووضعت ما عندها امام اعين الجميع في حربها غير العادلة على غزة.

مواقف رئيس الحكومة التركية هذه بدأت تناقش بجدية في الاعلام التركي، تحت عنوان ما الذي يحاول اردوغان ان يفعله. بعضهم يدعم ويدعو الى المزيد، مثلما قال كبار الكتاب الاسلاميين الذين طالبوه بمراجعة الكثير من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والعقود الاقتصادية والتجارية الموقعة مع اسرائيل والغائها، حتى ان بعضهم ذكر انه لا يجوز الاستمرار على هذا النحو في موضوع التعاون العسكري هذا لناحية توفير الاجواء والقواعد التركية امام المقاتلات الاسرائيلية لتتدرب هنا، وتقوم بتطبيق ذلك فوق الابرياء في المدن الفلسطينية .

زوجة اردوغان لم تتركه وحيدا في قلب المنازلة، فهي سارعت بدورها لدعوة زوجات الكثير من الشخصيات العربية والاسلامية والعالمية السياسية والاجتماعية الى اسطنبول، للاعلان من هنا عن الوقوف الى جانب غزة، ورفض واستنكار ما تتعرض له من قتل وتدمير في تحرك سيغضب هو الآخر اسرائيل اكثر فأكثر، ويصب الزيت فوق النار الملتهبة اصلا، والتي تتحكم وتدير العلاقات التركية ـ الاسرائيلية هذه الايام. لكن الضربة القاضية جاءت عندما كان آلاف سكان انقرة ينتظرون وصول فريق كرة السلة الاسرائيلي، ليلعب احدى مبارياته ضمن البطولة الاوروبية مع الفريق التركي، فكان الاستنكار والاحتجاج في انتظارهم، حيث استكمل المشهد بإحراق العلم الاسرائيلي مما دفع الفريق الزائر للانسحاب من المباراة، قبل ان تبدأ وهو ما سيكلف الاتحاد التركي لكرة السلة البدل الباهظ.

* كاتب وأكاديمي تركي