الشيء الأسود الوحيد الذي ينير لنا الدنيا من ألوف السنين هو: الحبر.. وأنا أكتب بالحبر الأسود على ورق غير مسطر وحروفي كبيرة.. وأفضل استخدام الأقلام الجافة لأنها تطاوعني عندما أكتب بسرعة تتساقط معها النقط وبعض الحروف.. إن كانت هذه فلسفة فهي فلسفتي، وإن كان هذا تفسيرا لرداءة خطي فلا حيلة لي في ذلك..
ولكن وجدت عددا من الأدباء لهم رأي آخر.. فتولستوي يكتب بالحبر الأزرق، والعقاد يكتب بالحبر الأحمر، وفيكتور هيجو يستخدم الورق الكبير.. والحكيم يستخدم الورق الصغير...
ووجدت أحد علماء النفس يفسر ذلك. ففي فصل من كتاب بعنوان «قل لي كيف تكتب: أقل لك من أنت» ولولا أن المؤلف طبيب وعالم نفس ومؤرخ ما مددت يدي إلى هذا الكتاب.. وهو ليس قارئا للكف، ولا ضاربا للرمل، وإنما هو عكف على المخطوطات التي تركها الأدباء وراح يقرأ عن حياتهم وحالاتهم العصبية.
ويقول: إن الذي يستخدم الحبر الأحمر هو رجل عصبي، ولكن منظر الدم لا يضايقه.. ومن معرفتي للأستاذ العقاد أرى أنه عصبي.. ولكن منظر الدم يضايقه ويبكيه أيضا!
والذين يستخدمون اللون الأخضر رومانسيون ويحبون الحدائق وحبذا لو عادوا شبابا. والشاعر هيجو كان كذلك، ولم يعد شابا وإنما أحبته وأحب فتاة صغيرة!!
والذين يستخدمون اللون الأزرق يحلمون بصفاء السماء وهدوء البال.. ويفضلون حياة القمم على الحياة على الأرض، وبعض ذلك صحيح بالنسبة لتولستوي، فقد كان أتعس الأزواج والآباء وكان غارقا في الأرض والفلاحين!! أما الذين يستخدمون اللون الأسود، فقد استقر في أعماقهم الحزن والأسى واليأس، ولا أمل في أن يتخلصوا من ذلك.. وبعض هذا صحيح!