هي على اليمين.. وأنا على الشمال

TT

في إحدى المدن الأوروبية دعتني أسرة عربية كريمة لتناول طعام الغداء معهم، فلبيت تلك الدعوة بدون تردد وبحماس واضح، حيث إنه سبق لي أن عرفت وتذوقت طبخ السيدة الأولى لذلك المنزل، الذي لا يضاهيه أي طبخ في جودته ونكهته.

وصلت إليهم في الوقت المحدد، واستقبلني ابنهما المراهق ومعه صديق له، وعرفت منه أن والده قادم في الطريق، ووالدته سوف تنزل حالا من الطابق العلوي.

ولفت نظري أنهما كانا يتصفحان باهتمام مجلة متخصصة بأنواع السيارات، وأخذا يتناقشان أمامي في موديلاتها وأسعارها ومميزاتها وأشكالها وسرعاتها، وكانا يتفقان، وأحياناً يختلفان، إلى أن وصلا إلى فن أو (حرفنة) السواقة أو القيادة، فقال الابن: إن والدي بدأ يعلمني (السواقة)، فقال له صديقه: إن والدك هو أسوأ سائق في العالم، فرد عليه الابن وهو يبتسم: لا وأنت الصادق، هناك من كان أسوأ منه، إنها والدتي، فسأله: ومن علمها؟! قال: علمها والدي، فأخذا يقهقهان، وقهقهت أنا معهما.

وفي هذه الأثناء سمعت طرقعة الكعب العالي، فعرفت أن ست البيت تنزل من على السلالم، فسارعت في تسكير فمي، وحسنت من هندامي، ووقفت احتراماً لتحيتها. صافحتها وجلست، وما هي إلا دقيقة، وإذا بصاحب الدار يدخل علينا معتذراً عن التأخير. سلمت عليه سلاماً عربياً كالعادة.. أي قبلنا وجنتي بعضنا بعضا.

وبعد مجموعة من كلمات المجاملة التي أحفظها عن ظهر قلب وأدخرها لمثل هذه المناسبات، قلت لهما، إنني كنت أستمع، قبل أن تأتيا، إلى حديث ممتع من هذين الصبيين عن السيارات وفن القيادة.

ويبدو أن هناك أمرًا ما كان مكتوما في نفس الزوجة، وكلامي هذا فتح لها المجال لكي تفرج عنه، لأنني ما إنْ أنهيت جملتي، حتى قالت: إن الرجال مع الأسف يعتبرون النساء السائقات صنفاً دونهم من البشر.

فرد الزوج محتجاً: لا، اسمحي لي، فليس صحيحاً أننا نعتقد ذلك، ولكن أغلب السائقات، وحسب تجربتي ورؤيتي، يعتبرن إشارات المرور مجرد اقتراحات، أكثر منها أوامر.

وبدأ التذمر يظهر على وجه الزوجة، لأنها تركت زوجها والتفتت نحوي تسألني ـ وهي تشير بإصبعها نحو زوجها ـ بالله عليك يا أستاذ، ماذا تقول فيمن يعطي الإشارة الضوئية، كالأبله، في الاتجاه المعاكس، أو يوقف سيارته كالمعاق فوق رصيف الشارع؟!

الواقع أنني ندمت على فتح هذا الموضوع الشائك، فسارعت إلى غلقه، متظاهراً بالجوع، فنهضت الزوجة لتحضير الطعام، فيما اكتست ملامح الزوج بعلامات الامتعاض والخجل.

وعلى ذكر القيادة، فمن المعلوم في السعودية أنه محظور على المرأة قيادة السيارة، وسبق لأحد السعوديين المقيمين في إنجلترا أن قرر العودة إلى بلاده نهائياً، وشحن سيارته إلى هناك. ومعروف أن (الدريكسون) للسيارة الإنجليزية هو على اليمين، وبعدما عاد، وحين كان يقود سيارته يوماً، وزوجته تركب عن يمينه، شاهدتهم فرقة تحافظ على الآداب، فاعتقدوا أن الزوجة هي التي تقود السيارة، وأخذوا يطاردونهما، وعندما توقفا، نزل رجال الفرقة غاضبين، وفوجئوا عندما شاهدوا أن الزوج هو الذي يجلس خلف عجلة القيادة، وأن زوجته مجرد (ديكور)، فقال له رئيسهم: «عيب عليك تثير الشبهات هكذا، وتأتي بسيارة تلفت بها الأنظار، وكأنك تحرض النساء على القيادة»، فقال له الزوج: «إذا كنت زعلان، فلا مانع عندي أن أتبادل الآن المواقع مع زوجتي، هي تجلس على اليمين، وأنا على الشمال، ونعود من حيث أتينا».

[email protected]