الشهادة لله..

TT

لعل من أغرب المعارك الجانبية التي تدور الآن في ساحات مختلفة تباعا للمجازر الإسرائيلية على ضحايا قطاع غزة، هو التسمية والتصنيف لهؤلاء الضحايا وضرورة إطلاق لفظ شهيد وشهداء عليهم. ومن خلال هذا «المدخل» تطلق أشد عبارات التخوين والتكفير على من يستخدم كلمة ضحايا أو قتلى لوصف من مات من سكان غزة جراء الهجمات الوحشية والمسعورة من قبل الجيش الإسرائيلي الإرهابي. والغريب أن كل مسلم قارئ لكتاب الله الكريم لا يجد آية كريمة واحدة فيه تصف «القتلى في سبيل الله» بأنهم «شهداء». وهناك عدد كبير من الآيات يورد عبارة قتلى في وصف المسلمين الذي يقاتلون في سبيل الله تعالى، حتى وهم يجاهدون الكفار؛ ففي سورة آل عمران يقول الله تعالى «ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون * ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون»، وفي ذات السورة يقول الله تعالى «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عن ربهم يرزقون»، وفي سورة النساء قوله تعالى «فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلِب فسوف نؤتيه أجرا عظيما»، وفي سورة محمد قوله تعالى «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها، ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل فلن يضل أعمالهم». وهناك العديد من المواقف والمواقع في السنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل صلاة وأتم تسليم، والتي توضح أن الرسول الكريم لم يصف أحدا ممن قتل في مختلف المواجهات بأنهم شهداء، فقد كان يقول: أصيب فلان ولا يقول استشهد فلان. ولابن مسعود رضي الله عنه قول مأثور في هذه المسألة حين قال: «إياكم أن تقولوا مات فلان شهيدا أو قتل فلان شهيدا، فإن الرجل يقاتل ليغنم ويقاتل ليذكر ويقاتل ليرى مكانه». حتى العالم الجليل القرطبي، وهو المعروف بأنه مؤلف التفسير المعروف والذي قتل والده حينما أغار عليه العدو في صباح الثالث من شهر رمضان المكرم عام 627 هـ فقتل، فسأل القرطبي أحد المشايخ المعروفين والذي أفاد بأن حكمه من حكم القتلى في المعارك. حتى القرطبي لم يجرؤ على وصف والده بالشهيد. وهناك رأي مهم للشيخ محمد بن عثيمين حينما يقول في هذه المسألة «المقتول في الجهاد لا نقول إنه شهيد حتى ولو كان بين المسلمين والكفار لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثغب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) فقوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) يعنى أنه لا علم لنا، لكن نرجو أن يكون شهيدا. وأضاف «ثم ان قولنا شهيد بالنسبة لهذا المقتول لا يستفيد منه، لأنه إن كان شهيدا عند الله فهو شهيد، سواء أقلنا أو لم نقل، وإن لم يكن شهيدا فانه لا ينفعه قولنا إنه شهيد». فالمعنى واضح أن هذا شأن الله وحده لا تدخل بشري فيه. إطلاق المسميات والتصنيفات دون مرجعية هو الذي ورط العالم العربي حتى باتت مدينة كبيروت لها شهيد لكل شارع ولكل طائفة ولكل حزب بشكل منفلت وأهوج، وهو الذي مكن أن يطلق على زعيم إرهابي لقب الشيخ وسماحة وعلامة لأباطــرة التطرف. الوضع الفلـسطـيني في غاية الدقة والأهمية ولا مجال لإحداث المزيد من شق الصفوف وخلخلة التركيز على دعم فلسطين وسكانها بدلا من تشتيت الجهد وإرباك العامة بمعارك جانبية واللعب بعواطف ومشاعر الناس. مطلوب توحيد الجهود لنقل حقيقة ما يجري على الأرض من سفك دماء وقتل تمارسه أعتى قوة إرهابية في العالم اليوم وهي إسرائيل.

[email protected]