«جريمة حماس الحقيقية»

TT

قبل أن أزيح الستار عن جريمة حماس الحقيقية، من المناسب ونحن نسمع عن تسريبات في الجانب الإسرائيلي بوقف القتال وبدء العد التنازلي للعمليات الوحشية الإسرائيلية في غزة, أن نبدأ جردا ولو مبكرا لحسابات المكاسب والخسائر في أزمة غزة، والحق ما «جردت» به الأعداء، 65 من اليهود البريطانيين العقلاء من علية الأكاديميين والمثقفين لخصوا لنا خسارة إسرائيل الحقيقية في اعتداءاتها الوحشية على غزة، فقد نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية السبت الماضي بيانا كتبه هؤلاء اليهود قالوا فيه إن 14 يوما من الاعتداءات «الصهيونية» و30000 جندي من القوات البرية والبحرية والجوية الإسرائيلية وآلاف القذائف والقنابل و4000 ضحية فلسطيني، لم يمكن الصهاينة (تعبير الصهاينة من بيان اليهود البريطانيين وليس من عندي) من تحقيق هدف واضح مع أن لهم اليد العليا، فعلى الساحة العسكرية الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى إنقاذ عاجل من الورطة، وعلى المستوى السياسي لم تسجل الحكومة الإسرائيلية أية نتائج غير الاعتداءات الوحشية على الفلسطينيين، إن جريمة حماس الحقيقية كما يقول بيان اليهود ليس لأنها إرهابية ولكن لأنها لم تقبل أن تكون لعبة في أيدي الإسرائيليين في المناطق المحتلة.

أما إذا كانت إسرائيل ومن ورائها أمريكا تهدف من معركتها مع حماس محاربة الإرهاب الذي صار نكتة القرن، فإن هناك في كهوف أفغانستان رجلا معمما يضع رجلا على رجل ومشبكا بين أصابع يديه خلف عنقه يشاهد التلفاز ويتابع الغرق الإسرائيلي في وحل غزة ويضحك ملء شدقيه على هذه النكتة الأمريكية الإسرائيلية البليدة وينتشي طربا على مساهمة هاتين الحليفتين في إذكاء روح الجهاد في العالم الإسلامي كله، ألم تلاحظوا توقف عمليات القاعدة التي كانت تعمد إليها بين الفينة والأخرى كاستراتيجية لها في إبقاء شعلة الجهاد متقدة؟ السبب وببساطة شديدة يكمن في الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على غزة، فقد كفت إسرائيل ووفت في إنجاز استراتيجية القاعدة وباقتدار.

أعود إلى حسابات الربح والخسارة، إسرائيل البائسة الآن بين موقفين أحلاهما مر، إما أن تستمر في تعنتها وغطرستها في مواصلة الاعتداءات، وهذا من شأنه أن يزيد من خسائرها البشرية والمعنوية، وإما ان تنسحب من دون أن تحصل على ضمانات من حماس وهذه نتيجة كارثية لأنها تعني ببساطة انتصارا لحركة حماس.

هذه الحرب لا شك مكلفة على الجانب الفلسطيني بشريا وماديا، لكن الذي لم يدركه الإسرائيليون أو ربما لم يريدوا أن يدركوه، ومعهم كثير من بني يعرب، أن حماس ستخرج من هذه المواجهة بمكاسب سياسية وعسكرية، أما المكاسب العسكرية فلأن قصارى ما تصبو إليه حماس هو في «الصمود» والأسبوعان الماضيان أثبتا قدرتها الفائقة في تحقيقه، ولا أدل على ذلك انها ما برحت تطلق صواريخها على الرغم من الهجوم الإسرائيلي العنيف الجوي والبحري والبري وما زالت تثخن الجراح في الجيش الإسرائيلي وستكشف الأيام المزيد من الأعمال المبهرة للمقاومة الجهادية الفلسطينية، ثم إن هذه حرب حقيقية مما يعني أنها فرصة حقيقية لإثراء تجربة حماس القتالية والنتيجة الحتمية مزيد من تعزيز القوة العسكرية والسياسية على الساحة الفلسطينية على حساب غريمتها فتح التي ترهل أفرادها واستكانوا إلى الدعة والراحة بعد العمليات السلمية المتعثرة والفاشلة.

أما وقد استهللت مقالتي بجرد أكاديمي يهودي لحسابات الربح والخسارة، فسأختم بجرد ديني يهودي في أزمة غزة، حيث يقول الحاخام اليهودي مايكل ليرنر في مقال له في التايمز بعد أن شاهد تخبطات إسرائيل العسكرية والسياسية في غزة (يحطم قلبي أن أرى غباء إسرائيل). انتهى كلامه، أما نحن فيحطم قلوبنا غباء من لم يدرك الغباء الإسرائيلي ويفهم البعد الاستراتيجي الناجح في مقاومة العدو.

[email protected]