تفوق نفسها فقط

TT

الحقيقة أنني أشعر بالخجل من إسرائيل. كلما اعتبرنا أن هذه أكبر مجازرها، ورحنا نكتب التاريخ على هذا الأساس، تضحك منا ومن غبائنا، وترتكب مجزرة مضاعفة. في لبنان كل عام نتذكر مجزرة قانا، عندما قصفت إسرائيل الناس في مقر الأمم المتحدة. آباء وأبناء وأمهات احتموا بعلم الزيتون الأزرق فأحرقتهم إسرائيل، وأحرقت العلم، وأحرقت الولاية الثانية من بطرس غالي، لأنه تحدث عن الأمر، بدل أن يصمت ويجدد، كما يجدد عادة لأصحاب السعادة الصامتين. لا أعرف بأي عين سوف نتذكر قانا بعد غزة 2009. وكيف سنواجه أطفال غزة الذين ماتوا في أحضان أمهاتهم، أو أولئك الذين ماتت أمهاتهم في أحضانهم. وكيف سنتحدث عن قصف الأمم المتحدة، بعدما قصفت إسرائيل في غزة مواكب الغذاء الدولية، وسيارات الصليب الأحمر. وكيف نستعيد آهات قرية قانا، فيما نرى مدينة من أكثر من مليون نسمة تستباح وتدمر وتفرغ مؤونتها، وتقطع كهرباؤها ومياهها، وتدمر مستشفياتها، وتدمر مساجدها، وتفرغ أفرانها وتملأ أجواؤها بالغيوم السود، ورعد الرعب والزلزلة اليومية على مدار الليل والنهار. تبدو دير ياسين الآن مجرد تجربة شديدة التواضع. أحفاد اسحق شامير يمحون تاريخ المجازر ويعيدون كتابته بيد أخرى. يد لا ترتجف ولا تتردد ولا تتمهل أمام عويل أو صوت طفل، يروي كيف بقي حيا في حضن أمه القتيل. النازية كانت أفرانا مغلقة ومعسكرات معزولة وبعيدة، لكن هذه الأشلاء والجثث معروضة بلون النقيع على هذا العالم فاقد الحياء. كل فريق يخوض حروبه بأجساد غزة. وكل فريق يفرح بأحزان غزة. وكل البطولات تطلب من غزة أن تجرب المزيد من الأكواخ والمخيمات أمام المزيد من الفانتوم والأباتشي. عرض جوي دائم للقتل، وعرض أرضي يومي للكارثة والمأساة والملحمة الإنسانية في أسمى أطفالها وأمهاتها، وفي أوقح مجرميها ومصفقيها، والمتغرغرين بلذة الدماء ولوثة العذاب والقهر. لا أعرف أيهما أفظ قلبا، القاتل أم المصفق. الذي يرسل الدبابات فوق أجساد الأطفال، أو الذي كلما سمع صراخهم غنى للنصر وطلب المزيد.