ماذا تريد إسرائيل؟

TT

ليس ممكناً على الإطلاق، الفصل بين ما يجري على الأرض في غزة، وما قاله قبل يومين «جون بولتون» السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة في مقالته التي نشرتها «الشرق الأوسط» تحت عنوان «خيار الدول الثلاث»، كما أنه ليس ممكناً أيضاً الفصل بين كل ذلك وبين الأهداف بعيدة المدى التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها من وراء عدوانها العسكري المجنون على قطاع غزة، رغم سعي كل قادة الاحتلال الإسرائيلي تقريباً إلى إبقاء تلك الأهداف طي الكتمان، والتمويه بأهداف غامضة وهلامية يدرك حتى الأطفال الفلسطينيون أنها مجرد ذر للرماد في العيون، ومحاولة للتغطية على تلك الأهداف الخطيرة التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها عبر الدم الفلسطيني المسفوح على ارض قطاع غزة.

قد يكون ثمة أهداف قريبة للعدوان على غزة؛ من مثل وقف إطلاق الصواريخ وإضعاف القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية في غزة، ولكن حقيقة ما تريده إسرائيل من العدوان على قطاع غزة أن يتكرس الانقسام الفلسطيني الداخلي، وأن تظل غزة مقطوعة ومنفصلة عن باقي الأراضي الفلسطينية، وأن تنتهي أية إمكانية واقعية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، ومن الممكن في سياق أية تسوية مستقبلية أن يتم إعادة قطاع غزة إلى الإدارة المصرية وما يمكن أن يتبقى من الضفة الغربية ـ بالطبع بعد ابتلاع ما تريد ابتلاعه من أرضها ـ يمكن أن يعاد إلى الإدارة الأردنية، وهكذا يتم تصفية القضية الفلسطينية سياسياً وقانونياً، والتخلص من هذا «الكابوس» الذي يقض مضاجع القادة الإسرائيليين، ويحرمهم من التمدد السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم.

هذا الحلم الإسرائيلي هو بالضبط ما جاء به «جون بولتون» في مقالته التي أشرت إليها آنفاً، وهو حلم عنصري يمثل خطراً حقيقاً ـ إن لم يكن الخطر الأكبر على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، بنفس الدرجة التي يهدد فيها أمن واستقرار المنطقة العربية برمتها، وبالذات في مصر والأردن.

لقد غضت إسرائيل الطرف عن انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية صيف العام 2007، بل وقبلت أن تتوصل مع حماس إلى تهدئة ما في قطاع غزة، ليس حباً في حماس، ولكن لآن ذلك الانقلاب والانقسام وفر لها فرصة سانحة لتمزيق الجسد الفلسطيني عبر إغلاق المعابر التي تصل الضفة بالقطاع، ومحاولة إلقاء قطاع غزة بكامله في وجه مصر، وصولاً إلى تحقيق ذلك الهدف الشيطاني المتمثل في تصفية القضية الفلسطينية تصفية مبرمة ونهائية، وها هي اليوم تحاول إكمال خطتها عبر العدوان العسكري، بحيث ينفصل الحل المنشود في غزة عن أي حل يتم في الضفة الغربية، ما يعني أن نقرأ الفاتحة على روح المشروع الوطني الفلسطيني. الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية يدركون هذا الخطر الداهم تمام الإدراك، بنفس القدر الذي تدركه فيه مصر والأردن والسعودية وباقي الأقطار العربية البريئة من الأجندات الخاصة تجاه فلسطين وقضيتها الوطنية، ولذلك فإن العنوان الأبرز للتحرك العربي والفلسطيني ينحصر في تفويت الفرصة على هذا المخطط الإسرائيلي عبر تحقيق ثلاثة أهداف مترابطة:

الأول: هو وقف العدوان الإسرائيلي فورا وبلا إبطاء، وحماية أرواح الفلسطينيين من أن تزهقها آلة القتل الإسرائيلية.

الثاني: نزع جميع الذرائع التي تستخدمها إسرائيل في عدوانها.

أما الثالث فهو إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي وإعادة الوحدة إلى الجسد الفلسطيني على قاعدة: «سلطة واحدة لشعب واحد».

دماء الأطفال الذين ذبحتهم الصواريخ الإسرائيلية في غزة، وأحلام أولئك الأطفال الذين تنطق عيونهم بالبراءة والطهر، تنادينا وتناشدنا؛ بل إنها تفرض علينا أن نطرق كل الأبواب، وأن نسلك كل السبل لإنجاز ما ينبغي إنجازه مما سبق، وفاء لمن قضى نحبه من أطفالنا، وحماية لمن ما زال ينتظر منهم، ولنؤجل كل تلك الحسابات الصغيرة التي مهما عظمت لا يمكنها أن ترقى إلى مستوى قطرة دم واحدة تسيل من جسد فلسطيني.

*وزير الشؤون الاجتماعية

والزراعة الفلسطيني