أريد أن أشرب كوباً من «التاي»

TT

قرأت عنواناً في إحدى المجلات المصرية، جاء فيه «الشنواني يشرب 800 كوب شاي في اليوم». لا أكذب عليكم أنني أول ما قرأت هذا العنوان «مغصني» بطني، فأنا «يا دوبك» ممن يشرب كوباً واحداً من الشاي في اليوم، «وما أصدق على الله إنني خلصته»، فكيف بـ«800 كوب»؟!، يا لطيف اللطف!!

وبدأت أقرأ، واكتشفت أن أخانا بالله السيد الشنواني ما هو إلا خبير المزاج العالي على حد تعبيره هو، أي إنه مكلف من إحدى الشركات الكبيرة التي تتاجر بالشاي، بتذوق الأصناف من أجل اختيار أجودها، مثلما يحصل بالنسبة للعطور، وعصير العنب المسمى بالنبيذ في بلاد الغرب، أعاذنا الله منها.

والسيد الشنواني يبدأ مقابلته بمثلٍ أسمعه أنا لأول مرة، وهو أن «الشاي بالرغاوي يحلى معاه كلام القهاوي». الواقع أنني عندما تخيلت «كباية» الشاي «بالرغاوي»، «حامت كبدي» أي لعبت نفسي، فكلمة «الرغاوي» بحد ذاتها مقرفة، ولكن علينا أن نتجاوزها، مع ذلك المثل المصطنع، الذي لا يعدل مزاجي. ويؤكد خبير المزاج، وهذه أيضاً معلومة أعرفها لأول مرة، أن هناك من يضيف للشاي نشارة الخشب المصبوغة، وقشر العدس، والملوخية الجافة، تصوروا هذا؟!، والحمد لله أنهم لم يضيفوا له أيضاً قرون الشطة الجافة، ولو كان الهوا هوايا لأضفت إليه «السنامكي»، ليعتدل المزاج على الآخر. وأهل الخليج يسمون هذا المشروب بلهجتهم البدوية «الشاهي»، أما أهل المغرب فيسمونه بلهجتهم المحندقة «التاي»، وأنا شخصياً تعجبني هذه التسمية الأخيرة، فلا أقول لمن في البيت أو في القهوة إلا، أريد كوباً من «التاي». أعود للسيد الشنواني، الذي صدقت كلامه بعد أن زرت مصنع «توايننغ» للشاي في إنجلترا، وهو يعتبر أقدم مصنع في العالم، إذ أنشئ عام (1706)، ودخلت إلى غرفة في منتهى النظافة، وشاهدت مجموعة من الأشخاص، قيل لي إن «كل واحد منهم يتذوق في اليوم الواحد ما لا يقل عن (600) نموذج من أجل تقييمها وتصنيفها». وقد أعطوني ملعقة صغيرة لكي أجرب حظي وأستعرض ذائقتي، وأخذت أرشف وأرشف إلى أن سالت مدامعي، وخرج (التاي) من أنفي.

وقد قال أحد الحكماء الصينيين، وهم أول من فطن إلى ميزة هذا المشروب قبل (2000 عام) ـ قال الحكيم «الإنسان يشرب الشاي لينسى ضجة العالم». وفعلا لقد شربت الشاي يوماً في قهوة «الفيشاوي» في القاهرة، ولم أسمع أية ضجة، كان الناس يمشون من أمامي وكأنهم على أبسطة من الريح، وكانوا يتكلمون بالإشارات وكأنهم صم بكم، لا زعيق ولا شتائم ولا تنكيت ولا قرقرة شيش ومعسلات.

يا سبحان الله (!!).

[email protected]