الهيئة.. وجرائم الابتزاز

TT

فجأة وبدون سابق إنذار أو مقدمة أو تمهيد غدت صحافتنا المحلية السعودية تعج بأخبار ابتزاز الفتيات، حتى ليندر أن تمر أيام دون أن يطالع القارئ خبرا يشير إلى أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد قبضت على شخص يحاول ابتزاز فتاة، عبر تهديدها بصور أو تسجيلات ونحو ذلك، ولست أدري أين كان يختبئ هذا النوع من الجرائم لينفجر دفعة واحدة في وجوهنا بهذا الكم المزعج والمؤلم المشاعر.

وقبل كل شيء فإن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستحق الشكر على تأسيس قدر كبير من الثقة بينها وبين الفتيات اللاتي يتعرضن لهذا النوع من الابتزاز من خلال التعامل بمبدأ السرية مع هذه القضايا لحفظ سمعة الفتيات، وهذا ما شجع الكثير منهن على عدم الخنوع لأساليب الابتزاز، واللجوء إلى الهيئة للقبض على المبتز، وتقديمه للعدالة.

هذا العدد الكبير من جرائم الابتزاز، التي بدأ الإعلان عنها في الصحف في العامين الأخيرين، يعكس حجم المعاناة التي كانت تعيشها أعداد من الفتيات، قبل أن يثقن أن ثمة جهة يمكن أن تتعامل مع مشكلاتهن بالتفهم والحكمة والستر، فتزيح عن كواهلهن هموم التهديد وغلظة الابتزاز.

والنظر إلى جرائم الابتزاز باعتبارها الأسوأ والأقبح والأردأ في قائمة الجرائم، يطرح بالضرورة سؤال البحث عن مكمن الخلل التربوي الذي أفرز هذه الشريحة من المبتزين بكل ما يرتبط بها من وحشية ودناءة وغياب ضمير، فهذا النوع الدخيل من الجرائم على مجتمعنا لم يطفُ قط على السطح، ولم نكُ نسمع به من قبل، وكان للمرأة في قيمنا التربوية التي تربينا عليها صورة رقيقة ناعمة، لا تقبل الخدش والقسوة والابتزاز، فمن أي خطأ تربوي تكوّن المبتزون؟ وفي أي سباخ نموا وتشكلوا؟!

إن علاج جذور هذا الخلل يتطلب الكثير من الجهد والعمل في أكثر من مجال، وفي مقدمة هذه المجالات المجال الإعلامي، إذ لا ينبغي على الإعلام الاكتفاء بنشر الخبر دون أن تصاحبه إضاءات نفسية واجتماعية حول طبيعة هذا السلوك الإجرامي، وإدانة فاعله، ومن أهم المجالات التي ينبغي الاهتمام بها أيضا مجال ثقافة الأسرة، فالمبتز ينشأ غالبا في أسرة تعاني فيها صورة المرأة من الاضطراب، ومن شأن الاهتمام بثقافة الأسرة العمل على إعادة صياغة مكانة المرأة في تلك البيئات التي تعاني من اختلال الرؤية، كما يتطلب الأمر من بعض المناهج الدراسية التي تستهدف مكارم الأخلاق تعميق القيم المتصلة بالمرأة، وتعزيز صورتها في نفوس الفتيان، وتقبيح كل عمل يستهدفها بالإساءة.

وليحفظ الله المرأة من ذئاب البشر، وفساد الأخلاق، ووحشية الطباع.

[email protected]