غزة وفقا للزيباوي

TT

تخصص الأستاذ محمود الزيباوي، من جامعات فرنسا، في شؤون الفنون والرسومات القديمة، خصوصا الفنون الإسلامية. وله في ذلك مؤلفات كثيرة، بعضها بالفرنسية. ويعتبر في لبنان مرجعا أكاديميا في هذا الحقل. وهو يكتب في «ملحق النهار»، كل أحد، دراسة فنية تاريخية ممتعة عن حقبة ما، أو تحفة ما. ويوم الأحد الماضي كانت دراسته الجميلة عن مدينة جميلة وموضوع محزن. وكنت أتمنى، لو كان مجال أن أنقلها كلها. لكن هذا بعضها في أي حال:

ورد اسم غزة في وثائق فرعونية تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وتردد الاسم بصيغته العبرية في أسفار التوراة، ومعناه «القوية». وفي العصر الإسلامي، ارتبط هذا الاسم باسم هاشم بن عبد مناف، جد الرسول صلى الله عليه وسلم، وباتت تعرف باسم غزة هاشم. وفي «لسان العرب»: «غزة موضع بمشارف الشام، بها قبر هاشم جد النبي، وجاء في الشعر غزّات». وفي «وفيات الأعيان»، ذكر ابن خلكان خبر وفاة هاشم بن عبد مناف في غزة من أرض الشام، يوم كان يؤمها للتجارة، ونقل بيتا من شعر مطرود بن كعب الخزاعي يقول: «وهاشم في ضريح وسط بلقعة/ تسفي الرياح عليه بين غزّات»، وأضاف معلقا: «إنما قال غزّات وهي غزة واحدة، كأنما سمى كل ناحية منها باسم البلدة وجمعها على غزّات، وصارت من ذلك الوقت تعرف بغزة هاشم؛ لأن قبره بها، لكنه غير ظاهر ولا يعرف، ولقد سألت عنه لما اجتزت بها، فلم يكن عندهم منه علم».

عاشت غزة التحولات التي عصفت بمدن ساحل الشام على مدى أكثر من خمسة قرون. خضعت المدينة للفاطميين في القرن العاشر، ثم فقدت مجدها القديم، وعندما احتلها الصليبيون في مطلع القرن الثاني عشر وجدوها خربة، وأعادوا إعمارها كما أشار أهل التاريخ والأخبار. قاست المدينة في الحروب المتواصلة بين الفرنجة والأيوبيين، وكان تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي، وهو الذي وضع همته في غزو الفرنج، «فكان من أمره معهم ما ضاقت به التواريخ، واسترد منهم ما كانوا استولوا عليه من بلاد الإسلام بالشام، وأجلى ما بين الشام ومصر من الفرنج»، كما كتب السيوطي في «حسن المحاضرة».

لم تنه هذه الفتوحات الحرب الدائرة بين الأيوبيين والفرنجة. عقد الفريقان اتفاقا استعاد الصليبيون بموجبه السلطة على الكثير من المواقع التي فقدوها، ولم يكن هذا الاتفاق سوى هدنة فرضها ميزان القوى المتقاتلة. احتدمت الحرب مع الصليبيين من جديد، وشكل الزحف المغولي زلزالا أعاد رسم خريطة العالم الإسلامي. «انقرضت دولة الملك الناصر عند استيلاء التتر على البلاد، فلم يدر بعد فيها ديار، إلى أن كسر الملك المظفر سيف الدين قطز المعزي التركي صاحب مصر التتر، على عين جالوت، واسترجع البلاد، فتراجع إليها أهلها وعمرت».