ماذا يحدث في غزة؟

TT

«سأردّ بالصمت إزاء صمت أكبر».

كانت تلك الخلاصة التي توصل إليها المعلق البريطاني في صحيفة «التايمز» ماثيو باريس إزاء ما يجري في غزة.

تساءل باريس عن جدوى الصور والتعليقات والمواقف والقرارات والتظاهرات التي عجزت عن إحداث نقلة أو تغيير ما في الماضي، وتعجز عن إحداث خرق أمام حقيقة ما يجري في غزة اليوم، وأمام هول المشاهد التي تظهر إبادة جماعية وشرسة للمدنيين، خصوصاً الأطفال منهم.

وما يزيد من الحيرة والشعور بالعجز (على الأقل عندي شخصياً) هو ما نشرته صحيفة «الدايلي تليغراف» من تفاصيل، حول كيف تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت من إحراج وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بالضغط عليها لعدم التصويت على قرار مجلس الأمن الذي عملت واشنطن نفسها على تمريره. بحسب التقرير، فاخر أولمرت أمام مساعديه، بكيفية إجباره لجورج بوش على الضغط على رايس في مجلس الأمن.

صحيح أن تلك التفاصيل ليست جديدة ولا تقدم معلومة إضافية، لكنها تكرس حقيقة نسعى لعدم مواجهتها أو التسليم بها.

إسرائيل تنفذ هجمة شرسة.. أعداد الأطفال الضحايا تطّرد على مدار الساعة، وإسرائيل تمنع الإعلام من الدخول إلى غزة.

حظر إسرائيل للإعلام أمر سهل التفسير، وسبق أن عبر عنه الإسرائيليون خلال مرحلة فرض الحصار على غزة، حيث ساد حظر مماثل. يعتقد الإسرائيليون أن التغطية منحازة ضدهم، لذا فالقرار سهل: يُمنع الإعلام من الدخول، ولا مشكلة في الاعتراضات والبيانات التي تصدر حتى من قبل وسائل إعلام غربية لطالما دعمت اسرائيل..

لا يكاد يمر يوم دون أن تباد عائلة أو تنتهك حياة أطفال غزة.

الصور والحقائق تظهر حجم المعاناة الفلسطينية ومدى العنت الإسرائيلي، ومع ذلك لا شيء يتغير.

المدنيون والصحافيون يستهدفون ولا شيء يتغير.

تظاهرات وتنديدات ومواقف واجتماعات ولا شيء يتغير..

على العكس تعلو وتيرة الحديث عن خيار «الدول الثلاث»، وتكرر الصحف الأميركية تسريبات لمسؤولين عن سقوط منطق الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية لصالح ضم قطاع غزة إلى مصر والضفة الغربية إلى الأردن.

ثمة وقائع لا يمكن للصورة أن تلتقطها، كما أن الصحافي الذي يحاول تقصيها لا يمكنه أن يجعلها عنصراً في مشهد أوسع. يمكننا مثلا نقل مأساة الغزاويين في مختلف أوجهها، لكن المشهد الأوسع الذي يقطنه أولمرت الساخر من بوش أو الذي تقبع فيه النوايا في توزيع الفلسطينيين على دول ليست دولتهم لا يمكن إحاطته بصورة أو باستقصاء. هنا يقف الإعلام عاجزاً أمام ثقل المشهد أو أمام هزاله. فهل يمكن أن يستعاض عن عجزنا عن الإحاطة الخبرية بالنوايا الاسرائيلية حيال مستقبل الوجود الفلسطيني في غزة والضفة بتعليق يقتصر على وجهة نظر وريبة حيال الموقف الإسرائيلي، أم ربما علينا مراقبة ما يجري وربطه بالنوايا الإسرائيلية؟

الحرب على غزة محطة تستدعي التأمل في وظيفة الإعلام بما يتعدى نقل الصورة ونشر الخبر..

diana@ asharqalawsat.com