ليس الدرس الأخير

TT

في صورة الشرق الأوسط الجديد، شيء غير متوقع من الشرق الأوسط القديم. إنه الدور التركي والإيراني في القضية الفلسطينية. وإذ نلاحظ مدى اندفاع الدورين في السنوات الأخيرة، لا يمكن أن نتجاهل مدى التناقض التاريخي والحالي في طبيعة الدولتين والنظامين، وتاليا في طبيعة دوريهما. فالدولة الإيرانية لا تقبل بأقل من إزالة إسرائيل من الوجود. وقد أعطى رئيسها مهلة محددة لذلك، أقصاها عام 2010. أما الدولة التركية، فهي تلعب بكل ارتياح دور الوسيط الفاعل والمؤتمن بين إسرائيل والعرب، وخصوصا بينها وبين سوريا، إذ تكفّلت أنقرة بالجمع بين الدولتين الأكثر عداءً منذ 1948 . وفيما ترفض إيران حتى الاعتراف بـ «الكيان الصهيوني»، تحافظ أنقرة الإسلامية على جميع عناصر العلاقة التي كانت تربط إسرائيل بتركيا العلمانية، منذ قيامها، حتى فوز الإسلاميين بالحكم. وقد اعترض رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان على اجتياح غزة بكلمات وتعابير فائقة العواطف والمشاعر، لكنها في مجملها لم تتجاوز، بأي شكل، تلك المواقف الأدبية التي اتخذت في النرويج أو فرنسا أو أميركا اللاتينية. في مقابل ذلك، استخدمت إيران قاموسها المعتاد، ولو أن تأييد غزة ودعم جراحها لم يتجاوزا في جوهرها الأدبيات التركية، إلا من حيث اختلاف اللهجة والأسلوب.

تعادت إيران وتركيا زمنا طويلا، حتى أيام الشاه، عندما كانت السياسة الخارجية والإقليمية واحدة ومتطابقة حيال الجميع، بمن فيهم العرب. لكن ثمة انفراجا ملتبسا ومتفاوتا في السنوات الأخيرة، وسبب التفاوت أن المصالح المشتركة تلتقي وتنفصل عند مفترقات كثيرة ومعقدة من العراق حتى فلسطين. وإذ تطرح إيران نفسها عدوا أول لأميركا وإسرائيل، تطرح تركيا نفسها على أنها الوحيدة القادرة في المستقبل على التقريب بين الموقفين. لكن أين، وفي أي مرحلة، يمكن أن ترى تركيا نفسها مضطرة للحسم في مواقفها السياسية العامة؟ ليس في المستقبل المنظور، إذ برغم التحرك الواسع، لم تستطع أنقرة أن تثبت حيال غزة ما أرادت فعلا أن تثبته، وهي أنها المؤهلة للضغط على حلفائها الإسلاميين بالدرجة التي تضغط فيها على صديقتها إسرائيل. وفي هذا الباب بالذات، يبدو أن الدور التركي، تكرارا، لم يتجاوز أدبيات الاستنكار، مهما كانت صادقة، ولا طبعا الدور الإيراني. وإذا كان الفلسطينيون في حاجة إلى المزيد من الدروس، فهذا درس صعب آخر. بالتأكيد، ليس الأخير.