ليس من أجل عيون غزة ودفاعا عنها.. وإنما من أجل خالد مشعل!

TT

كل هذا الذي جرى، من الارتداد على اتفاقية مكة المكرمة وإسقاطها، وحتى هذه الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على غزة، له سبب واحد لا غير، وهو فرض حركة حماس كممثل للشعب الفلسطيني، وكبديل لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية ومحمود عباس أبو مازن، على العرب والجامعة العربية، وعلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وعلى غرار ما فعله أبو عمار مع أحمد الشقيري في عام 1968، ولكن بطريقة أخرى، وعبر الاعتماد على إيران وتحالف «فسطاط الممانعة»، وليس على الفلسطينيين والمعادلة الداخلية الفلسطينية. وحتى هذه القمة «الطارئة»، التي دعت إليها الشقيقة قطر، والتي من المفترض أن تنعقد غدا في الدوحة، هذا إن توفر لها نصاب الثلثين من دول الجامعة العربية، فإن المقصود بها هو أن تشهد ولادة قيصرية تفرض خالد مشعل فرضا على العرب وعلى الفلسطينيين، ولاحقا على المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وهذه رغبة تقف وراءها إيران وتؤيدها سوريا، والهدف هو استغلال مأساة غزة للسيطرة على القضية الفلسطينية، لاستخدامها كرقم في معادلة ما بعد انتقال باراك أوباما، والإدارة الأميركية الجديدة، إلى البيت الأبيض. والغريب أن «الشقيقة» قطر، أصرت على هذه القمة، وعلى وضع العرب على هذا المفترق الصعب، بينما كانت الكويت قد دعت إلى قمة اقتصادية، بالإمكان تحويلها إلى قمة لـ«غزة» وإلى قمة سياسية، وبينما كانت هناك استجابة للطلب القطري باجتماع لوزراء خارجية دول الجامعة العربية تقرر أن يعقد في الكويت، غدا الجمعة، أي في اليوم ذاته الذي حددته الدوحة لانعقاد القمة الطارئة، التي بالإمكان تسميتها «قمة خالد مشعل»، والتي من غير المستبعد أن يحضرها محمود أحمدي نجاد -إن هي انعقدت- الذي يعتبر أن هذه القضية قضيته. قبل الدعوة القطرية إلى هذه القمة الطارئة، التي ستقطع الطريق، بالتأكيد، على قمة الكويت الاقتصادية، التي كان بالإمكان تحويلها إلى قمة سياسية عنوانها «مأساة غزة»، كان هناك كلام، بينما وزراء الخارجية العرب يخوضون أعنف وأشرس معركة سياسية في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، عن قمة عربية بمن سيحضر، وقد تردد هذا الكلام على مستويات عليا في دمشق، في الوقت الذي كان فيه الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، في زيارة إليها، قادته أيضا إلى بيروت، حيث أبلغ تعليمات مرشد الثورة السيد علي خامنئي إلى السيد حسن نصر الله، بضرورة ضبط النفس، وبضرورة عدم قيام حزب الله بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، عبر جبهة الجنوب اللبناني.

لم يكن هدف الدعوة إلى «قمة بمن حضر»، فتح جبهة قتال ثانية، لإسناد غزة المحاصرة عبر هضبة الجولان السورية المحتلة، وعبر الجنوب اللبناني، ولا الضغط على الأميركيين لتغيير مواقفهم والتخلي عن انحيازهم الفاضح إلى العدوان الإسرائيلي الغاشم، بتهديدهم -ولو مجرد تهديد- بإغلاق قواعدهم في قطر. لقد كان هدف هذه الدعوة هو إحراج العرب، وهو «تبخيس» إنجاز صدور القرار الذي يحمل رقم 1860 الذي لم يصدره مجلس الأمن، إلا بعد معركة دبلوماسية صعبة، وهو تنصيب خالد مشعل على رأس العمل الوطني الفلسطيني، وإلغاء الحالة الفلسطينية السابقة كلها، وتسليم إيران مفاتيح هذه المنطقة لتفاوض الأميركيين والإسرائيليين في المرحلة المقبلة من موقع الاقتدار والقوة.

واستكمالا لهذه التوجهات فإن مهمة قمة الدوحة، التي قد تنعقد بمن سيحضر، إن هي لم يتوفر لها نصاب ثلثي الدول الأعضاء في الجامعة العربية، ستكون تحويل مأساة غزة إلى عرس لحركة حماس ولقائدها وزعيمها خالد مشعل، وسحب البساط من تحت أقدام المبادرة المصرية - الفرنسية، التي هي مبادرة مصرية، والتخلي عن قرار مجلس الأمن الآنف الذكر الذي يحمل رقم 1860، بحجة ضرورة استبدال قرار آخر تحت البند السابع، به، وهذا– في حقيقة الأمر– لا يمكن أن يكون على الإطلاق، لأن الدول الرئيسية المعنية، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأيضا روسيا والصين، من المستحيل أن توافق على قرار كهذا القرار ضد إسرائيل.

كان خالد مشعل قد أطلق تصريحات من دمشق، بينما تكثفت الوساطات والاتصالات الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وصف فيها الوسطاء والمتصلون بأنهم أخطأوا العنوان، وكان بعض المسؤولين في دول عربية محسوبة على «فسطاط الممانعة» قد اعترضوا على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860، ليس لأنه لم يصدر تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولا لأنه لم ينتصر لغزة كما يجب أن يكون الانتصار، بل لأنه صدر دون استشارة حركة حماس، ودون أن تقول رأيها فيه قبل صدوره، مع أن المفترض أن الرئيس محمود عباس أبو مازن يمثل الفلسطينيين كلهم، بكل تنظيماتهم وفصائلهم.

إن كل هذا الذي جرى، منذ أن فشل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في إقناع حماس، في أن تكون جزءا من منظمة التحرير، وحتى الارتداد على اتفاقية مكة المكرمة وإفشالها، وإفشال كل مفاوضات الوحدة الوطنية، والقيام بانقلاب يونيو (حزيران) 2007، وافتعال ظاهرة الصواريخ التي اقتصرت إنجازاتها على توفير كل المبررات التي تريدها إسرائيل لشن هذا العدوان الدموي والمدمر والغاشم على غزة (الشهيدة)، هو لإحلال حركة المقاومة الإسلامية محل الحالة الفلسطينية كلها، وتنصيب خالد مشعل زعيما، لشعب تناوبت عليه زعامات كثيرة منذ مرحلة الحاج أمين الحسيني، رحمه الله، وحتى الآن. لقد كان لا بد من كل هذا الذي جرى، وكان لا بد من خوض كل هذه المعارك من أجل فتح معبر رفح، لأن فتحه يشكل بوابة اعتراف بدولة «حماس»، التي أقيمت في غزة، في إطار المخطط إياه الذي بقيت إيران تتابعه وترعاه، «وتدفع دم قلبها ودم قلب الشعب الإيراني من أجله»، لإقامة رؤوس جسور لها في الشرق الأوسط، وفي القضية الفلسطينية، لتحقيق تطلعاتها الإقليمية المعروفة، والتي لم تعد خافية على أحد. كان على حماس أن تختطف جنديا إسرائيليا، كما اختطف حزب الله جنديين إسرائيليين، وكان عليها أن تبني شبكة من الأنفاق الأرضية، كما بنى حزب الله شبكة أنفاقه في الجنوب اللبناني، وكان على هذه الحركة أن تمتلك ترسانة صواريخ، كما امتلك هذا الحزب ترسانته الصاروخية، وأخيرا، وليس آخرا، كان لا بد من استدراج إسرائيل إلى هذه الحرب المدمرة، كما استدرج حزب الله حرب يوليو (تموز) عام 2006، وكان لا بد من تشغيل إعلام «فسطاط الممانعة»، لتنصيب خالد مشعل زعيما ورمزا، كما جرى تشغيله قبل نحو عامين ونصف لتنصيب السيد حسن نصر الله، رقما أساسيا في المعادلة اللبنانية الداخلية، وزعيما للأمة العربية والإسلامية!

لم يكن مهما أن يحل كل ذلك الدمار والخراب الذي حل بلبنان خلال حرب يوليو (تموز) عام 2006، وليس مهما أن يقتل من اللبنانيين نحو ألف وخمسمائة مواطن بريء، إن المهم هو أن يظهر حزب الله منتصرا، وأن يتكرس حسن نصر الله زعيما.. والآن فإنه ليس مهما أن تدمر غزة، وأن يذبح الشعب الفلسطيني، وتحل به كل هذه المآسي والويلات، إن المهم هو أن تظهر حركة حماس على أنها منتصرة، وأن يكرس خالد مشعل زعيما، ولكن على بعد مسافة طويلة وراء حسن نصر الله.

الكل سمع إسماعيل هنية وشاهده وهو يقول إن حركته لن تتخلى عن مواقفها وأهدافها، حتى وإن أبيدت غزة عن بكرة أبيها، والكل سمع خالد مشعل وشاهده وهو يقول: «لقد فشل العدو الإسرائيلي فشلا ذريعا»، وهذا من المفترض أنه يذكر الذين لا تزال لديهم ذاكرة بأن الأنظمة «الثورية» و«التقدمية» قد واجهت هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967 بشعار: «لقد فشلت الحرب ولم تحقق أهدافها، ما دامت هذه الأنظمة لم تسقط وبقيت صامدة»، هذا مع أن إسرائيل كانت قد احتلت باقي ما كان متبقيا من فلسطين، بالإضافة إلى سيناء حتى قناة السويس، وبالإضافة إلى هضبة الجولان حتى سعسع، على مشارف دمشق.