من يحارب من في غزة؟ ومن أجل ماذا؟

TT

من يحارب من في غزة؟ وما أهداف المتحاربين الحقيقية، القريبة منها، والبعيدة المدى؟.

ظاهرا، إنه عدوان حربي إسرائيلي على حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة، تقول إسرائيل إنه ردّة فعل على إطلاق الصواريخ عليها. وتقول حماس إنها حرب إبادة تشنها إسرائيل عليها، وعلى كل مقاومة فلسطينية أو عربية أو إسلامية.

الهدف المعلن إسرائيليا هو وقف إطلاق الصواريخ، وتهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وتحجيم حماس والمقاومة، وعدم ارتكاب الأخطاء التي وقعت في حرب لبنان 2006. وهدف حماس من المقاومة هو الدفاع عن النفس، وإرغام إسرائيل على الخروج من غزة، وتكريس حقها في حكم غزة، والاستمرار في المقاومة.

أما الهدف القريب، فهو، من الجانب الإسرائيلي، كسب المعركة عسكريا، أي تعطيل قوة حماس العسكرية، وفرض واقع جديد في غزة، والتوصل إلى حلّ يضمن وقف إطلاق الصواريخ منها. وهو، من جانب حماس، الصمود والتوصل إلى حل دولي - عربي، شبيه بالقرار الذي اتخذه مجلس الأمن، بالنسبة إلى حرب تموز 2006 في لبنان، يبقيها وسلاحها في غزة.

هذا في الظاهر، وعلى المدى القريب، وعلى الصعيد العسكري. أما على الصعيد السياسي، والمدى الأبعد، فإن للطرفين، ولمن يدعمهما، أهدافا إضافية أو أخرى.

هناك، طبعا، الانتخابات الإسرائيلية القادمة، التي ترتبط نتائجها بنتائج هذه العملية العسكرية، التي يحرص الثلاثي أولمرت - ليفني - باراك، على أن لا تفشل، كما فشلت عملية ضرب حزب الله في لبنان عام 2006. وهناك الانتخابات الفلسطينية التي قد تكسبها حماس في غزة والضفة، إن هي صمدت وحقّقت بصمودها «نصرا» سياسيا. وهناك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي تلتقي إسرائيل وحماس على إجهاضها، لأسباب مختلفة. وهناك المحادثات بين سورية وإسرائيل التي ذهبت مع الريح. وهناك التجاذب بين مشروع السلام في الشرق الأوسط الذي يسعى إليه الغرب ومعظم الدول العربية، ومشاريع المقاومة والممانعة و«تغيير أوضاع الشرق الأوسط» -وهو تعبير مهذب لتغيير الأنظمة- التي ترفع راياتها إيران وسورية وحماس وحزب الله والإخوان المسلمون، والحركات الأصولية بوجه عام، في الدول العربية والإسلامية.

من هنا، فإن نهاية هذا الذي يجري في غزة، أيا كانت، لن تؤدي فقط إلى وضع قوات دولية على حدود غزة الشمالية والجنوبية، وتأليف «حكومة وفاق وطني» فلسطينية، كما حدث في لبنان، بعد 2006 (وبعد مخاض أليم دام سنتين)، بل ستكون، على الأرجح، انتصار حماس وتيّار المقاومة في الانتخابات الفلسطينية القادمة، في غزة والضفة. ولن تستطيع إسرائيل ولا الولايات المتحدة منع ذلك، إلا بطريقة واحدة، وبأسرع ما يمكن، إن هي عززت موقع فتح والسلطة الفلسطينية، وأعلنت القبول بالمبادرة العربية، أو بمشروع سلام قريب منها. وبالإفراج عن السجناء ووقف الاستيطان ورفع الحواجز. ولكن هذا ما لن يفعله نتنياهو، إن هو فاز في الانتخابات الإسرائيلية. وما لن تجرؤ الأحزاب الإسرائيلية «المعتدلة» على الإقدام عليه، مع الأكثرية الضئيلة التي ستتكل عليها في الكنيست.

لقد استعجل خالد مشعل، في حديثه الأخير، من دمشق، عن انتصار حماس. وكان أحرى به الحديث عن الصمود. وهناك فرق بين الصمود والانتصار. صحيح أن العدوان الوحشي الذي أقدمت عليه إسرائيل، وما أصاب أبناء غزة من دمار وضحايا، أثار غضب الشعوب، فجابت التظاهرات الصاخبة مدن الشرق والغرب، استنكارا للعدوان الإسرائيلي، مما يسمح بالقول بأن إسرائيل خسرت المعركة إعلاميا وسياسيا، وأن قضية الشعب الفلسطيني كسبت تعاطفًا عالميًّا، ولكن بثمن باهظ. ولكن كيف يمكن استثمار هذه المكاسب السياسية والإعلامية، أو عدم إضاعتها، إذا لم تتوحد الجبهة الفلسطينية، وإذا لم يتوحد الصف العربي؟ وهذا ما لا نراه سهلا أو سريع التحقق.

نعم، لقد تَأجّل السلام في الشرق الأوسط إلى سنوات، بعد الذي حصل في غزة. وأيا كانت أشكال نهايته أو حلوله، وما لم تقدم إسرائيل والدول الكبرى، لمنظمة التحرير وللرئيس محمود عباس، ما يمكّنه من التعويض عن الخسارة السياسية التي لحقت به، فإن إسرائيل والولايات المتحدة، سوف تجدان نفسيهما مضطرتين إلى مفاوضة حماس، وغير حماس من مقاومي عملية السلام في الشرق الأوسط. وقد يكون الحل الفعلي لمأساة غزة، مرتبطا بالحوار المنتظَر، بين الرئيس الأميركي الجديد وإيران.

سؤال: ترى لماذا انسحبت إسرائيل من غزة، منذ ثلاثة أعوام؟ هل كانت خطوة من قِبلها باتجاه تسهيل قيام الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال، أم كانت الغاية الحقيقية منها، وهي تعرف قوة حماس فيها ونهجها العقدي، توسيع شق انقسام الشعب الفلسطيني بعضه على بعض، بين حماس وفتح، وكشف الانقسامات العميقة التي تمزق الأمتين العربية والإسلامية؟!.