العدوان على غزة.. وما بعده

TT

تتركز أنظار شعوب العالم على العدوان الإسرائيلي على غزة، وعلى ما يحدث للفلسطينيين من عمليات تقتيل جماعي فيه، على أيدي جنود الاحتلال بأحدث الآلات والتكنولوجيا الحربية الأمريكية. فلم يحدث في التاريخ المعاصر ان أقدمت قوة احتلال على حرب ابادة جماعية بحق شعب تحتله كما يحدث في غزة اليوم. ويتركز الجهد السياسي الدولي على البحث عن كيفية وقف هذه الحرب، قبل انتقال شررها لأماكن أخرى، خاصة أنها تجري في منطقة هشة والعدوان، والقضية الفلسطينية وموقع المنطقة وتشابك مصالح قوى عدة منها.

فإسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال والعدوان، تستهدف ان يحقق لها عدوانها بشكل مباشر، وقف الصواريخ ومنع تهريب الأسلحة عبر الأنفاق وإضعاف قوى المقاومة وفي المقدمة حماس، الى اكبر قدر ممكن. أي فرض مفهومها الأمني على الوضع في غزة، مع توفير الضمانات الدولية والإقليمية لكل هذا. واستناداً لهذا تعمل لتكريس الانقسام الفلسطيني سياسيا وجغرافيا، وتطويع الشعب وقواه للتعامل مع مفهومها السياسي للتسوية وفي حالة انقسام وضعف. وعلى المدى المتوسط والبعيد، تريد القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة، ومنع قيام دولة فلسطين المستقلة على كامل الأرض المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين لديارهم وفقا للقرار 194. وتفكيك التمثيل السياسي الموحد للشعب الفلسطيني ممثلا ب م.ت.ف كخطوة لا بد منها لتفكيك ارض وطنه ومشروعه الوطني. والتعامل مع الشعب والأرض الفلسطينية، كتجمعات في غزة والضفة والقدس ومنطقة الـ48 مجزأة ومنفصلة سياسياً وجغرافياً وتمثيلياً. والخطوة الضرورية على هذا الطريق هي تكريس الانقسام الفلسطيني، ودفع غزة نحو الجنوب، والبحث عن إدارة ضفة مجزأة كتجمعات فلسطينية، هذه السياسة التي تأخذ طريقها للتطبيق على الأرض، تحد التفهم ان لم نقل الدعم من الإدارة الأمريكية. ومن بعض الأطراف الدولية وفي مقدمتها الإدارة الأمريكية، وتحويل القضية الفلسطينية الى قضية إنسانية وليست سياسية ووطنية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وتوفير الهدوء والاستقرار لصالح هذه الأطراف المشتركة أو المنفردة. والإدارة الأمريكية، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل والحامي السياسي لها ولسياستها العدوانية والتوسعية، تعمل لإعطاء أطول فرصة ممكنة للعدوان الإسرائيلي من اجل تحقيق أهدافه، حدث على مدار سنوات الصراع الطويلة وفي لبنان عام 2006، وهو يحدث اليوم بتوجيه من الرئيس الأمريكي بوش. فنراها تعطل مجلس الأمن عن اتخاذ قرار ملزم، وبتهديده بحق النقض، وفي الوقت نفسه تعمل لتنزيل سقف القرار وبما يحمي العدوان الإسرائيلي، متناسية ان من يقوم بالعدوان وعمليات التقتيل للمدنيين وحصار الشعب كله لسنوات مضت هي إسرائيل. وأنها كانت طوال المرحلة الماضية الدولة الراعية لما سمي بعملية السلام التي أثبتت فشلها وعقمها، بتفويض من الرباعية الدولية والأطراف المتفاوضة.

إن التحدي الذي يواجهه الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمجتمع الدولي هو هذا العدوان الإسرائيلي الفاشي، والذي هو جريمة حرب موصوفة. وما يجب عمله هو التوحد لوقف هذا العدوان فورا وانسحاب جيش الاحتلال من كل أرجاء غزة فوراً وبدون شروط. وتفكيك الحصار الظالم على القطاع وفتح المعابر بما فيه معبر رفح، وتوفير الحماية الدولية المؤقتة للشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس، في بيت لاهيا كما الخليل. فالشعب الفلسطيني وارض وطنه، هو من يتعرض للعدوان وليس غزة فقط، مع انه يتركز في هذه المرحلة على غزة. واستحضار الموقف السياسي والمادي الداعم للشعب الفلسطيني في مجابهة ومقاومة العدوان والاحتلال، يتطلب توحيد قوى الشعب الفلسطيني وجهوده في الوطن والشتات، وتوحيد موقفه من اجل وقف العدوان مجابهته. فالأولوية الفلسطينية اليوم هي لمجابهة العدوان، فلا شيء يعلو على وقف العدوان على غزة. ومن اجل هذا ندعو للقاء على كل المستويات لجميع قوى وفعاليات شعبنا في الوطن والشتات لتنسيق جهودها وقواها في مجابهة العدوان والحصار، ولا يهم كثيرا المسمى التي تعمل في ظله هذه القوى اليوم مع أننا نرى ان تعمل كجبهة وطنية موحدة في إطار م.ت.ف أو تحت سقفها. والهدية الأهم الذي علينا تقديمها لأهل غزة خاصة ولشعبنا عامة، هي وحدتنا الوطنية الفلسطينية في إطار م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، حيث لا يُعقل ان تتحول القيادات والمؤسسات الفلسطينية الى برلمان بيزنطة، تناقش جنس الملائكة في الوقت الذي تسقط فيه القسطنطينية. وصون وحدة الشعب ووحدة القضية ووحدة التمثيل السياسي باتت اليوم قضية يجب ان تحظى بكل المسؤولية والاهتمام من جميع الفلسطينيين، لان تغليب المصالح الفئوية والحسابات الشخصية لهذا الفصيل أو ذاك، لهذا القائد أو ذاك، يعمل لحساب الاحتلال ومشاريعه القصيرة والبعيدة، ويلحق أفدح الضرر لمصالح شعبنا الوطنية العليا. فلم يسجل التاريخ ان شعبا منقسما على نفسه تمكن من الصمود أو الانتصار. وتجربتنا الفلسطينية الاخيرة خير دليل على هذا، والتي أثبتت ان المقاومة ليست فاعلة كفاية في ظل الانقسام، وان المفاوضات عقيمة وضارة، كذلك في ظل الانقسام، فبالوحدة الصلبة المستندة للبرنامج السياسي الوطني للمنظمة. وكما ورد في وثيقة الوفاق الوطني هما المرتكز لصون إنجازاتنا وتعظيم قوانا نحو تحقيق أهدافنا الوطنية، وفي المقدمة وقف العدوان وفك الحصار وبموازاة هذا، فان ضعف الحضور والدور العربي، أفسح المجال لتدخل أكثر من طرف دولي وإقليمي في الشأنين الفلسطيني والعربي. ومحاولة إدخال الحسابات والمصالح الخاصة بهذه الأطراف.

فبدلا من توحيد الدول العربية لقواها وجهودها وتوظيف امكاناتها السياسية ومقدراتها المادية وموقعها الاستراتيجي، نجدها تدخل بصراعات بينية على قضايا ثانوية على حساب القضايا الأساس، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية الصراع العربي ـ الصهيوني، فبدلا من عقد القمة العربية فورا واتخاذ مواقف سياسية موحدة وواضحة في مواجهة العدوان الإسرائيلي ودعم الشعب والقضية والحقوق الفلسطينية، وحمل هذا الموقف بثبات محليا وإقليميا ودوليا، نجدها تتردد في هذا وتستعيض عنه باجتماع لوزراء الخارجية، وانتظار ما تسفر عنه اجتماعات مجلس الأمن. ان هذا لمؤشر كبير على التهرب من المسؤولية السياسية والقومية إذا لم نقل أكثر. وفي الوقت الذي يتطلب من الجميع حزم أمره والتحرك سياسيا وماديا. فوقت أهل غزة لا يحتمل اللعب به لأنه من دم ودمار. لقد نزلت جماهير غفيرة للشوارع في أنحاء المعمورة كافة، ومنها أعداد بالملايين كما حدث في المغرب العربي، وهناك بعض الدول العربية سحبت سفيرها من إسرائيل مثل موريتانيا لكن هناك العديد من الدول العربية والإسلامية، لا زالت تحرص على علاقاتها السياسية والاقتصادية المباشرة أو غير المباشرة مع إسرائيل، ولم تستجب لنداءات وتحركات الجماهير التي أسمعت القاصي والداني ولم تسمعها حكامها، مع أننا في عصر الفضائيات والصوت والصورة معا. فهناك من يتابع ما يجري على الأرض من منزله أو مكتبه أكثر بكثير ممن يعيشون الواقع المر في غزة. وفي الوقت الذي نثمن فيه عاليا التحرك الجماهيري من لندن الى الفلبين ومن المغرب الى جمهوريات آسيا. فإننا ندعوها لتنظيم صفوفها ومتابعة ما بدأته، وتحويله الى أطر منظمة تدعم صمود ونضال وحقوق الشعب الفلسطيني، وتحويله الى مواقف مؤشرة على أصحاب القرار السياسي في بلدانها، وتطوير مواقفهم السياسية في كل الاتجاهات وبما يعزز من دور بلدانهم، لوقف العدوان وفك الحصار وفتح المعابر وتوفير الحماية الدولية الشاملة للشعب الفلسطيني كخطوة على درب تحقيق حقه بتقرير المصير والحرير والاستقلال والعودة. فمناصرة الشعب الفلسطيني وأهل غزة بخاصة، يجب ألا تقتصر على التأسف والتأسي على الأطفال والنساء والشيوخ، أو على المدارس ودور العبادة أو البنية التحتية المدمرة، لأن القضية الفلسطينية ليست قضية إنسانية فحسب، بل هي قضية سياسية، قضية حرية واستقلال وعودة.

الأمر الذي يفرض على الجميع التعامل معها كذلك، وان تتحول الى فعل سياسي ومادي ملموس في دعم صموده ونضاله، من اجل حقوقه، وفعل ملموس ضد الاحتلال والدولة القائمة بالاحتلال.

* عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين