بوش.. ونظريات «المحافظين الجدد»

TT

أيام قليلة جداً ويرحل الرئيس جورج بوش من سدة الرئاسة الأميركية ويغادر البيت الأبيض غير مأسوف على أيامه فيه. لا يوجد موضوع أو مسألة إلا ازدادت سوءًا واضطراباً منذ تسلمه زمام المسؤولية التنفيذية بالولايات المتحدة الأميركية. طبعا هناك الإخفاق الاقتصادي المهول، الذي كان سببه ضعف الرقابة، ومسائل أخرى غير «واضحة» بحسب الكثير من الخبراء والمحللين، ولكنها في المقام الأساسي تعود للطريقة المأساوية التي كانت تدار بها الأمور الاقتصادية. وكذلك هناك الموضوع البيئي الذي تدهور بشكل هائل وملحوظ مع إيقاف العمل باتفاقية «كيوتو»، وأطلق العنان للمصانع بغض النظر عن المعايير والالتزامات المطلوبة للحفاظ على «وضعية» الهواء والماء والأرض المطابقة للمعايير البيئية والمقاييس المصاحبة لها. والكوارث الطبيعية التي دكت الداخل الأميركي وكشفت عن الإهمال الجسيم في صيانة البنى التحتية، وفقر الإدارة في التعامل مع إغاثة منكوبي الكوارث. ولكن يبقى ملف السياسية الخارجية، وتحديداً الشرق الأوسط، وصمة سوداء في سجل جورج بوش، وخصوصا الإخفاق المهول في العراق.

بنى خطته لغزو العراق والاستيلاء على منابع نفطه تنفيذاً لوصايا «المحافظين الجدد»، أسوأ عناصر تنضم لأي إدارة أميركية في العصر الحديث، فاختلقت الحجج الواهية لتبرير غزوها؛ من البحث عن أسلحة الدمار الشامل، إلى الحرب على الإرهاب، إلى نشر الديمقراطية، وهي جميعها ثبت أنها أقاويل وادعاءات ليس أكثر. ولكن سيبقى المشهد الختامي لبوش في العراق وهو يتفادى قذفة الحذاء، التي وجهها إليه الصحافي العراقي، هي الصورة الذهنية التي تختصر الرأي العالمي في سياسة بوش وأسلوبه في إدارة الأمور. العراق، وتجربة بوش الشخصية فيه، يمكن اختصارها في فكرة «النفط مقابل الحذاء»، نعم هكذا وبكل سخرية سوداء. ويصرّ الشؤم المصاحب لرئاسته، والذي هو أشبه بلعنة، أن يصيب غزة وأهلها، وهو «يسمح» لإسرائيل بأن تمارس وحشيتها القاتلة وتفتك بالنسوة والأطفال بشكل همجي، دون أن يعترض هو وإدارته على ذلك بالرغم من استخدام إسرائيل في ذلك أسلحة محرّمة دولياً، ومخالفتها لقرارات الأمم المتحدة، واعتدائها على منظمات دولية كالأونروا والصليب الأحمر وغير ذلك من الجرائم والمآسي التي تخصصت إسرائيل في ممارستها. اليوم وهو يغادرنا بعد ثماني سنوات عجاف، كرس فيها تطبيقاً إجرامياً لنظريات «المحافظين الجدد» والتي عزلت أميركا عن العالم وأكسبتها عداوات كانت في غنى عنها، يترك المنطقة وهي تئنّ جراء ممارسات «النازيين الجدد»، وهو الاسم الجديد للحكومة الإسرائيلية وآلتها العسكرية المسعورة التي تمارس إبادة جماعية بحق الفلسطينيين دون خوف أو رادع. بوش قرب رحيله، وهذا خبر أكثر من سار، سيبقى التحدي الأكبر على الرئيس الأميركي باراك أوباما والذي جاء بروح التغيير وتفاؤل دولي غير مسبوق بأن «يفعل شيئاً ما» لإعادة النهج الأخلاقي والتعامل مع النازية التي تمارس من قبل إسرائيل بحق الفلسطينيين.

[email protected]