لحظة مهمة لأوباما

TT

لقد وفرت الحرب الدائرة في غزة لمجموعة من الدول والشخصيات فرصة جديدة، لكي يعززوا مواقعهم، آملين في ترك أثر في هذا الموقف الكارثي. وقد بدأ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي -مع أنه لم يعد يتمتع برئاسة الاتحاد الأوروبي- في مهمة دبلوماسية طموح، أثمرت عن وقف متواضع وهام لإطلاق النار، مدته ثلاث ساعات، لمساعدة غزة على استلام المساعدات الإنسانية. وأصدر مجلس الأمن قرارا جديدا حظي بشبه إجماع.

وعلى عكس ذلك، تساءل بعض المعلقين عن السبب الذي دفع الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما لاتخاذ قرار بعدم الإدلاء بأي تعليق على حدث كبير في منطقة لها أهميتها الكبيرة بالنسبة إلى المصالح القومية الأميركية.

وفسر أوباما صمته، بأن ذكرنا أنه لا يمكن أن يكون هناك إلا رئيس واحد في واشنطن، في نفس الوقت (الصيف الماضي، انتُقد أوباما لمحاولته تقويض جهود إدارة بوش للوصول إلى اتفاقية مع العراق، بشأن الوجود العسكري الأميركي هناك) .

لا شك في أن أوباما سيكون أكثر فاعلية إذا خرج علينا بموقف سياسي بعد تفكير، بدلا من عبارات وجمل قصيرة لإرضاء الجمهور الذي يتابع التلفزيون. وسيكون لدى الرئيس الأميركي لحظة مهمة يقوم خلالها بعرض أجندته وأخذ زمام المبادرة. وإذا ضاعت هذه اللحظة، كما حدث في رئاسة كارتر، فسوف تجد الولايات المتحدة نفسها مجبرة على اتخاذ رد فعل على الأحداث، بدلا من قيادة الدفة. وقد عانت إدارة بوش الأب من نفس المصير، حيث ضيعت الفرصة الأولي لوضع أجندتها، وانتهى الأمر بالرد على الأحداث، كما كان الحال مع غزو صدام حسين للعراق.

ونقطة البداية التي تنطلق منها الإدارة الجديدة يجب أن تكون تحليلا مشتركا للموقف المقبول لدى أوباما، ومساعديه البارزين في مجال السياسة الخارجية. وفي الوقت الحالي، لا يمكن اكتشاف مثل هذا التحليل، وبناء على أفعالهم وكلماتهم السابقة، فإن هيلاري كلينتون المرشحة لوزارة الخارجية، ووزير الدفاع روبرت غيتس، والجنرال جيمس جونز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي، لديهم رؤى متباينة للغاية في ما يتعلق بهذه المنطقة. ومن ثم، فإن المهمة الأولى لأوباما هي إعداد ورقة مشتركة.

لقد عانت إدارة بوش المنتهية، بصورة كبيرة، من خلافاتها الداخلية بشأن الشرق الأوسط، وخلال المدة الرئاسية الأولى، بدد وزير الخارجية كولن باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، طاقاتهما في تقويض كل منهما سياسات الآخر.

وسيمثل ضمان وحدة الإدارة في هذه المساحة إنجازا كبيرا في حد ذاته. وفي المرحلة المقبلة، يجب أن تدرك الإدارة الجديدة، وتعترف، بأن الولايات المتحدة في حرب مع العديد من القوى التي تريد تحدي قيادتها العالمية، أملا في تدميرها في نهاية المطاف. وكلما كان ممكنا، ينبغي بذل كل جهد من أجل إرضاء بعض من هذه القوى، على الأقل، عن طريق الوسائل الدبلوماسية التقليدية. ومع ذلك، ففي النهاية، ينبغي بعث رسالة، مفادها أن الولايات المتحدة لن تهرب، وسوف تبقى وتقاتل كلما كان ذلك ضروريا.

ويحتاج الضعف، الذي يعاني منه الشرق الأوسط، إلى جرأة أكبر، مقارنة بأي مكان آخر في العالم.

لم يعد الشرق الأوسط هذه الجائزة الجيوسياسية، كما كان الوضع خلال الحرب الباردة، كما يحتمل أن تضعف أهميته في تلبية احتياجات سوق الطاقة العالمية خلال الأعوام المقبلة. ومع ذلك، فإن له أهمية جديدة، حيث إنه المفرخ الرئيسي للإرهاب، والمشهد المقبل من سباق تسلح خطير يمكن أن يتضمن أسلحة نووية.

كما أن جوهر الحرب، التي تشنها الراديكالية الدينية في الشرق الأوسط، أيديولوجي. فمن ناحية، ثمة ما يمكن وصفه بالأيديولوجية الغربية لحقوق الإنسان والديمقراطية والعلمانية. وعلى الناحية الأخرى، نجد ظلامية دينية يرمز إليها الخميني وأسامة بن لادن.

وللمرة الأولى منذ الثورات الدستورية في الإمبراطورية العثمانية وإيران، في القرن التاسع عشر، تظهر الديمقراطية كخيار حي في مساحة كبيرة من الشرق الأوسط الكبير. ويظهر أنصار للديمقراطية، وهم قلة لكنهم في تنام، وفعليا يحدث ذلك في كل بلد في المنطقة. ويمكن لهؤلاء تحدي القوى الظلامية وهزيمتها، في ميدان المعركة السياسية، يدعمهم الشرائح المعتدلة المحافظة التقليدية التي لا تنتهج العنف.

وسوف تحدث عملية المكاشفة هذه خلال العام الحالي، حيث ستجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية في أفغانستان وإيران والعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية. وقد عبأت القوى الظلامية نفسها وجلبت موارد هائلة من أجل الفوز في كل هذه الانتخابات. ويمكن أن تقنع فرضية أن الولايات المتحدة تخلت عن حلفائها، الديمقراطيين المحافظين المعتدلين المتفرجين، بالانحياز إلى حزب الظلام. ويمكن أن تجد الإدارة الجديدة نفسها أمام تكتل جديد من الأعداء يمتد من آسيا الوسطى إلى البحر المتوسط. ويجب على الإدارة الجديدة أن لا تبقي على أي شكوك في ما يتعلق بالتزام أميركا تجاه القوى الديمقراطية في كل البلاد ذات الصلة.

كما أن الدعم الأميركي لعملية الديمقراطية في الشرق الأوسط ليس أمرا ثانويا، ولكنه مطلب جوهري للأمن القومي.

على الرغم من الأهمية الرمزية، ينبغي النظر إلى القضية الإسرائيلية الفلسطينية على أنها إحدى المشكلات الكبرى في المنطقة، وليست «المشكلة الأكثر أهمية في العالم». وبعرض صياغة حل الدولتين، يوجد لدى الولايات المتحدة موقف قوي في القضية، ومع ذلك، يجب أن يكون واضحا أن الولايات المتحدة لا يمكنها فرض ذلك ضد رغبات كلا الطرفين.