صح والاّ غلط؟!

TT

في سنة من السنوات، كنت في مدينة لندن، وركبت الأتوبيس مع أخي الصغير الذي لا يتجاوز عمره سبعة أعوام، وبعد عدة محطات امتلأ الأتوبيس بالركاب، ولاحظت عدة نساء عجائز واقفات، فخجلت من نفسي وقمت من مكاني، مشيراً إلى إحداهن أن تتفضل وتجلس، ففعلت شاكرة، فنهرت أخي وأمرته أن يفعل مثلما فعلت أنا؛ لأعلمه الأدب، ففوجئت ودهشت عندما شاهدته ينهض، ثم يتجه إلى طفلة جميلة في مثل عمره، ويمسك بيدها ويجلسها في مكانه، وسط ابتسامات الركاب.

فقلت بيني وبين نفسي: الله يستر (هذا وهو بلح، وشلون لو طرح)؟!، وإذا كانت هذه هي تطلعاته من الآن، وهو ما زال طفلا صغيرا، فكيف سوف تكون مغامراته ومصائبه بعد أن يكبر؟!

المشكلة لو أنه طلع على شاكلة أخيه الكبير، الذي هو (حضرتي)، لا شك عندها فإن المصيبة سوف تكون مضاعفة، ويا ويله ويا سواد ليله.. وهذا ما حصل فعلا.

من المواقف التي تضايقني وترفع ضغطي هي: عندما أكون واقعا ومحاصرا تحت رحمة شخص لا يرحم، هوايته الكلام الحماسي، وبين كل جملة وجملة يتفوه بها يتوقف، ثم يسألك: صح والاّ غلط؟!، خصوصا عندما يكون ذلك الشخص رجلا ذا نفوذ، أو سيطرة عليك، أو لديك مصلحة عنده. عندها، لا تملك إلا أن تهز له رأسك كلما سألك، وبعضهم لا يكتفي منك بهزة الرأس، بل يريد أن يسمع منك كلمة (صح) مجلجلة وصريحة، فتضطر، مرغما، إلى أن تضرب ضميرك (صرماية) وتقول له: صح وستين صح.

وقبل أيام، فقد فعل معي مثل ذلك الفصل، وبنفس الأسلوب السمج، هذا شخص هو (لا قام ولا قعد عندي)، أي أنني لا أكن له أي قدر من الاحترام، وليس لي عنده أية مصلحة، وقبل ذلك وبعده، هو شخص (إمعة)، أجهل من (أبي جهل) نفسه، وأخذ يرغي ويزبد، وبين كل جملة وأخرى يتوقف، ويسألني: صح ولاّ غلط؟!. طبعا كلما سألني، وضعت إصبعي في عينه، قائلا له: غلط وستين غلط.

وإنني أقدم هذه النصيحة المجانية لكل من يتبع هذا الأسلوب في الكلام أن يحجم عنه نهائياً، لأن من يسمعك هو إنسان لديه قدرة على التمييز أكثر مما تتصور، فسؤالك هذا رغم أنه يبدو (ديموقراطيا)، إلا أنه، في الواقع، إجباري، تستغل فيه أدب ومجاملة المستمع الذي لا يريد كسر شعورك، ويقول لك: لا، أنت غلطان.

وهناك عدة نصائح سمعتها من أحدهم، وأعتقد أنها صائبة: لا تقل للشخص الآخر ماذا يقول، بل قم أنت بحمايته وتعلم فن (النهايات المفتوحة) لكل حوار.

ما رأيكم في هذا الدعاء الذي سمعته، وأعجبني جدا: اللهم افضحنا ولا تسترنا، حتى يتبين الخبيث من الطيب.

[email protected]