تيجي تصيده يصيدك

TT

سألني إن كنت أرغب في مشاركتهم (بالمقناص) بواسطة (السلق) ـ كلاب الصيد ـ فسألته بدوري: وماذا تصيدون يا رعاك الله؟!، أجابني: نصيد الأرانب، وسألته أيضا: وهل توجد في المنطقة التي أنتم ذاهبون إليها أرانب؟!، قال: لا توجد ولكننا اشترينا من السوق مجموعة منها، وسوف نحملها معنا في أقفاص، وإذا وصلنا إلى الصحراء المنبسطة أطلقناها ثم أطلقنا كلاب الصيد في أثرها إلى أن تمسك بها، بعدها نطبخها أو نشويها ونأكلها، إن مشاهدة المطاردة فيها من الإثارة والمتعة ما لا يخطر على البال.

قلت له: آسف على عدم تلبية دعوتك (غير الكريمة)، مع دعائي أن يحفظ الله لك (سلقك) ويكلأ بها عينك، لكي (تتربى في عزك)، وإنك لا تعلم أن الأرانب هي من أحب المخلوقات إلى قلبي، ولو كان لي من الأمر شيء لأقمت عليكم الحد (بالجلد) عن بكرة أبيكم بما فيكم (سلقكم) وذلك أضعف الإيمان.

إن هواية الصيد لم تعد متعة، وإنما أصبحت نوعا من (الفشخرة)، ولا أنسى أنني قبل عدة أعوام دخلت على أحدهم في صالونه الفاخر، وكانت مفروشة على الأرض سجادة من الفرو، وعندما وجدني أتأملها ما كان منه إلا أن ينهض ويحضر لي صورة (مبروزة) له وهو فيها يبتسم حاملا بيده بندقية، وواضعا إحدى قدميه على رأس الدب الذي اصطاده، وجعلهم يصنعون من جلده سجادة يتباهى بها بين ضيوفه.

لم يعد يكفي بعض الهواة الصيد (بالسنارة) مثلا، ولكن الزوارق المجهزة بالآلات التي تكشف الأبعاد وترصد الأسماك صوتيا وعدديا ونوعيا كلها تحت الطلب وفي متناول الأيدي.

وهناك أدوات الخداع أو بمعنى أصح (غسيل المخ) لبعض الكائنات (البريئة) مثل تسجيلات النداء الطويلة للبط التي ما أن تسمعها حتى تأتي وتتهافت على مصدر الصوت الذي أعتقد أنه صار من فصائلها، وما أن تقترب حتى تتلقفها بنادق الصيادين من كل جانب.

إن هناك معركة ظالمة وغير متكافئة بين الحيوان والإنسان، فالحيوان ليس له غير مخالبه أو أنيابه أو قرونه أو سيقانه أو زعانفه أو أجنحته، فيما الإنسان مدجج بالمناظير المكبرة والبنادق البعيدة المدى، وسيارات الدفع الرباعي، بل حتى الطائرات التي استعملوها يوما في صيد الثعالب والدببة القطبية.

وقبل مدة، وصلني (بروشور) لرحلات صيد (***) من الاستقبال في المطار إلى الفندق، وفي ثاني يوم تكون السيارات جاهزة، وطباخ يطبخ على الطريقة الفرنسية، مع الدليل والحراس وكامل الأجهزة، وجميع المشروبات الساخنة والباردة التي يحبها قلبك، مع مقتفي الأثر الذين يقودون لك الطريدة أو الفريسة وأنت قابع فوق جذع شجرة، ولكي لا تؤلمك أغصانها فإنهم يضعون تحتك وأنت جالس مخدة محشوة بريش النعام، وما عليك إلا أن تطلق الرصاص على الحيوان الذي تحتك، وإذا أخطأته لا سمح الله فلا تقلق فهناك إلى جانبك شخص محترف سوف يقتل الحيوان بالنيابة عنك، وبعد ذلك سوف يمدون لك أياديهم (ويسمّون عليك) لتنزل بهدوء وسلام بعد أن أديت مهمتك الشاقة والخطيرة، وساعتها يحق لك أن تضع قدمك على رأس الحيوان القتيل ليأخذ لك مصور الرحلة المرافق صورة تذكارية تفتخر بها زوجتك وأبناؤك.

أكثر ما شرح صدري وسر خاطري، ما قرأته عن صياد (أيائل) - وهي نوع من الغزلان - وكان معه ما يشبه المزمار إذا نفخه أصدر صوتا يحاكي صوتها فتأتي إليه، فنفخه وهو بين الأدغال، وما أن سمعه زميله وظنه غزالا حتى أطلق رصاصة نحو مصدر الصوت، ومن حسن حظه أنها لم تصب منه مقتلا، وإنما استقرت في مؤخرته، الأمر الذي تطلب له إجراء عملية معقدة لإخراجها، وظل شهرا كاملا في المستشفى وهو منبطح على بطنه.

[email protected]