الدعم الذي يحتاجه أوباما

TT

لا يمكن وصف عام هبطت فيه البورصة 778 نقطة في يوم واحد، وتقلبت فيه أسعار النفط بأكثر من 100 دولار للبرميل، وتوفي فيه إيرفين روبينز، مخترع «جاموكا ألموند فادج» أيس كريم، لا يمكن أبدًا وصف هذا العام بأنه جيد، إلا أن انتخاب باراك أوباما رئيسًا جعل من عام 2008 عاما مهما.

وخلال موسم سياسي طويل، كان أوباما فاتنًا ومفتونًا، إذ منت عليه الكارثة الاقتصادية، والذين حولوا دفة الانتخابات الحرجة إلى تفويض للحزب الديمقراطي. لقد نجح هذا السيناتور المبتدئ في الجمع بين الإلهام والتنظيم، وبين المثل التقدمية والطابع المحافظ الوسطي، وبين رسالة التغيير واستعادة الثقة. ودليلاً على ذلك، يبدو «فريق المتنافسين» داخل فريقه الوزاري المقترح أكثر شبها بفريق من المحترفين.

وحتى الآن، يحاول أوباما أن يكون رمزًا وطنيًا للوحدة، رغم مؤيديه الذين لا يطاقون إلى حد كبير. ويقول جوي كلاين، من مجلة «تايم»: «في الواقع، وبعد مرور أسابيع على الانتخابات، بدأت أشعر بالفعل بصفتي مواطنا متحضرا عليه قيود أقل ولا يتوقع الهجوم وأقوم تقريبًا بما أحب. هل من الممكن أننا ـ كدولة ـ نقوم بطرح براءتنا الطفولية والريفية لنصبح أكثر نضوجًا وتحضرًا.. وتطورا، إذا صح التعبير؟». وهل من الممكن بالنسبة للناقد أنه يكون مثل طالب مستجد في الجامعة اكتشف لتوه الملذات، والمدن الجامعية المشتركة بين الجنسين، وسمع عن فريدريك نيتشه (فيلسوف وشاعر ألماني، كان من أبرز الممهدين لعلم النفس)، وأن ينسى فطرية والديه ويتحول إلى مراهق مزعج، إذا صح التعبير؟

سيحتاج أوباما في عام 2009 إلى مؤيدين معتدلين هادئين، ونقاد موالين، للمضي عبر التحديات. وعلى اعتبار زخم وعوده في الحملة الانتخابية، يبدو من المحتمل أن أوباما سيعرض صفقة كبيرة على إيران، تتمثل في تعهدات اقتصادية، وضمانات أمنية، ووقود نووي للأغراض المدنية، نظير تخليها عن التخصيب النووي وإنهاء دعمها للمليشيات والإرهابيين المعادين لأميركا (وللإسرائيليين). وفي ضوء الضرورة الملحة الراهنة قد يستحق هذا الأمر المحاولة، حتى وإن كان لتشديد العزلة الدولية على النظام الإيراني.

ومن شأن هذه الصفقة الكبيرة الفاشلة أن يكون لها سعر، إذ ستزيد بصورة دراماتيكية من توقعات المواجهة. فإذا رفضت إيران مثل هذا العرض السخي سيتكشف النقاب تمامًا عن نواياها، وسيمثل ذلك تحديا للنفوذ الأميركي بالشرق الأوسط، حينها سيقف الرئيس أوباما أمام أحد أكثر الخيارات العسكرية صعوبة في العصر الحديث.

ثانيًا: تعهد أوباما بتصعيد الحرب في أفغانستان.. إلا أن نتيجتها بعيدة كل البعد عن أن تكون مؤكدة. وفي حقيقة الأمور، لقد بدأ هذا التصعيد فعليًا، ويُقاس هذا الأمر بآلاف القوات التي من المحتمل أن ترتفع إلى أكثر من ذلك بحلول الصيف المقبل. وفي أفغانستان، نواجه فعليًا مشكلة كانت مألوفة لنا في يوم من الأيام بالعراق، إذ بمقدور القوات الأميركية محو العدو، لكنها لا يمكنها المحافظة على الأرض وإدارتها بصورة فعالة، كما لا يمكنها بناء بديل اقتصادي لمواجهة حالة الغضب والراديكالية. علاوة على هذا تحمل الأزمة الأفغانية العديد من التعقيدات أكثر من سابقتها في العراق. فشركاؤنا الباكستانيون غير قادرين، وراغبين عن، بل وحتى يُشتبه بهم في حربهم ضد طالبان والقاعدة على أرضهم. ويبدو أن حلفاءنا من الناتو منهكون من إسهاماتهم المحدودة على الأراضي الأفغانية. وفوق هذا كله، وبالنقيض مع العراق، لم تخضع أفغانستان في أحيان كثيرة لسيطرة مركزية.

ورغم أنه خاض الانتخابات على أنه مرشح السلام، إلا أن من الواضح أن أوباما سيصبح رئيسًا للحرب. وفي سياق هذه التحديات المحتملة لعام 2009، يستحق أوباما أكثر من الافتتان الذي من شأنه أن يتحول إلى خيبة أمل. وسيحتاج إلى التزام كبير نحو الأهداف القومية الصعبة، التي ستتضمن المخاطر والتضحيات الكبرى، والصبر، والثبات الشعبي الذي لم يكن واضحًا خلال الأيام الطويلة لحرب العراق.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»