«العائد» على المأساة!

TT

في العلوم المالية يعلم المهتمون بها بوجود معادلات أساسية فيها مثل: العائد على الاستثمار R.O.I، والعائد على حقوق الملكية R.O.E. في العلوم السياسية أعتقد جازما أن هناك معادلة حسابية جديدة ظهرت على الساحة، وباتت تفرض نفسها، وهي العائد على المأساة Return on Misery، وممكن أن يعرف R.O.M. وبات العالم العربي مسرحا معتادا وثابتا لأشكال مختلفة من المآسي، ولعل الثابت في هذا الشيء دائما هو وجود أطراف «مستفيدة» من تلك المآسي، وهي تستغلها بذكاء لفرد عضلاتها السياسية بانتشار إعلامي واضح، وتحريك «شعبوي» لا يمكن إغفاله. حتى في مأساة غزة الحالية، وهي التي تكبد فيها الشعب الفلسطيني عددا من الضحايا فاق الألف، والخمسة آلاف جريح، ودمار كامل لقطاع حيوي ومهم، وسط كل ذلك هناك أطراف تحقق «عوائد» سياسية ومكاسب مهمة نتاج هذه المأساة، وتحسين استثمارها وتوظيفها بشكل فعال وماهر. وطبعا من ضروريات وأساسيات هذا النهج هو أن «تطول» المأساة لأقصى مدى ممكن، وكلما زاد عدد الضحايا وتعاظم عدد الجرحى وتمادى حجم الدمار، كان ذلك محققا وداعما لغايات المأساة المطلوبة، وإبراز صورتها الدرامية. هناك أصوات وشعارات لا تظهر إلا وقت الأزمات الناتجة من «المأساة»، وهناك اتهامات لا تسمع إلا وقت المأساة، وهناك حلول لا تقدم إلا وقت المأساة، وهناك اقتراحات لا تعلن إلا وقت المأساة. نعم هناك محاولات واضحة لكسب رخيص وسريع لعواطف العامة، وتقديم الحلول السحرية لهم، وبيع الوهم لهم، بينما الواقع يقول غير ذلك. المكاسب السياسية التي تجنى جراء المآسي بات من الممكن احتسابها ومعرفتها. فهذه المآسي «صنعت » دولا وأحزابا وشخصيات، ولكن هناك جردا محاسبيا مطلوبا لمعرفة الناتج الحقيقي لها، وحقيقة دورها في مضاعفة المأساة أو تخفيف الآلام.. النتائج حتما ستكون مذهلة. أين مدعو ومطالبو الجهاد والمقاومة والنضال والكفاح من مساندة إخوانهم المغدورين ليلا ونهارا، وهم على بعد أمتار قليلة من العدو الذي يفعل كل ذلك فيهم؟ أين مدعو التخوين والتكفير والتشكيك في حق غيرهم، في ظل المطالبة بقطع العلاقات مع العدو، وهو الذي يقبع بينهم؟ التناقض وازدواجية المعايير لم تعد فقط مكشوفة ومفضوحة بشكل فظ وغليظ، ولكن باتت عملية غير مقبولة للترويج ولا للصرف، لأن هناك وعيا جماهيريا متزايدا بدأ يكشف أوجه الاستفادة والمنفعة جراء الاستغلال الرخيص لمآسي الغير. فالبطولة والقيادة والريادة يجب ألا تتحقق على أرتال جثث النساء والأطفال العزل. بئست الريادة والقيادة والبطولة تلك التي تأتي بثمن هكذا. وقف نزيف الدمار المستمر في غزة هو المطلب الأخلاقي والديني والإنساني والعقلاني الأول والأخير، فالبديل ليس مقاومة، بل هو انتحار جماعي في وجه أقذر دولة عرفها التاريخ المعاصر وهي إسرائيل. لم يكن القدوة الحسنة الأعظم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يختبئ في دولة أخرى، أو في كنف أو خندق، وهو يحارب أعداءه، ولكنه كان في قلب المعركة، وبالتالي ما يحدث الآن من مناظر مقززة لقارعي الطبول، وهم يمجدون الانتصارات الإلهية والربانية، كل بحسب مذهبه وطريقته، وأرتال الضحايا في ازدياد، وهو تكريس رديء لخداع النفس ولإنكار الواقع. وآن الأوان لهذا الكذب أن يتوقف. أختم هذه الكلمات ببيت شعر للأمير خالد الفيصل وهو يتساءل فيه «يا ليل خبرني عن أمر المعاناة.. هي من صميم الذات واللا«أجنبية»؟

[email protected]