حيّ على عقد القمم!

TT

هول المجزرة يطغى على كل الأحداث. تتزاحم الأفكار، ثم ينحني القلم متجها صوب غزة. حصار دم هناك، وحصار قمم هنا. القمة هي حديث الساحة والإذاعات والمنتديات. قمة اقتصادية، وقمة ثنائية، وقمة عربية طارئة، وقمة خليجية طارئة. وتستمر المذبحة. لم ينج منها حتى المنظمات الإنسانية ولا الصحافيون والمشافي.

من غير المعقول أن نتحرك دون قمم. إن اجتمعت القمة، قال المفلسون: وما الفائدة؟ وإن لم تجتمع القمة، قال المزايدون: لم لا يجتمعون؟

القمة الخليجية الطارئة تعكس حراكا واهتماما خليجيا، سبقته دعوة قطر للقمة العربية الطارئة.

القمة – بكسر القاف - كلمة عربية أصلها من قام، كما تجمع القواميس (وإن أوردها مختار الصحاح تحت قمم)، ومن هذا الجذر اشتقت الإقامة، من إقامة الصلاة حتى إقامة المسكن. ومنها جاءت كلمة «القومية»، وهي دعوة للاعتزاز والانتصار للقوم. لكن كلمة القوم جاءت في العبرية لتعني غير اليهود (القوييم).

في لهجات خليجية وعربية عدة، تحمل كلمة القوم معنى العدو؛ قال الشاعر قديما:

حاذور خلان الرخا عدّهم قوم

خلان من دامت نعيمه ودامي

أي إياك وخلان الرخاء فهم كالأعداء، لا يصادقونك إلا في وقت النعمة.

العربية والعبرية لغتان من أصول ساميّة واحدة، بل قيل إن كلمتي عربي وعبري جاءتا من أصل واحد، مر بما يسمى بالقلب الصوتي. لعل معنى الكلمة بكلتا اللغتين قوم – قويييم - الأعداء، يعكس فهم شمولية المجزرة في الفكر والممارسة الصهيونية.

انسحبت إسرائيل من غزة عام 2005، بعدما «أقامت» فيها احتلالا زاد على الأربعين عاما. وعادت إليها تحت ذريعة «صواريخ حماس»، ولا ندري كم تطول إقامتها هذه المرة. فلنبدأ «تقويما» آخر، نحسب فيه الزمن بعدد المذابح. نحن «قوم» نشترك مع اليهود في تقويم وتأريخ أزمنتنا بالمذابح والشتات!

يخجل المسالمون عن الحديث عن السلم بعد المجزرة. أي سلم وأي سلام، وأي مبادرة سلام، وأية خارطة طريق للسلام، وأي حل للدولتين؟ الخارطة ضاعت معالمها في دخان المذبحة، والقمة ضاعت بوصلة عواصمها. تتحدث الأنباء، وقت كتابة هذه المقالة، عن موافقة 13 دولة على القمة الطارئة التي دعت إليها دولة قطر، ومن بينها الصومال، وجزر القمر. هل تعقد قمة دون مصر والسعودية؟ لو قطعت مصر علاقتها بإسرائيل، فكيف تفتح معبر رفح؟ ومن سيستقبل حماس غير القاهرة، لوقف إطلاق النار؟

سوريا غائبة تماما عن الحدث، ما يقال عن فتح معبر رفح، يتكرر عن ضرورة فتح جبهة الجولان السورية. ليس من مصلحة سوريا استمرار المجزرة، فاستمرارها يكرر ما لا ترغب في سماعه، وحزب الله وصل إلى تفاهمات لن يخرقها بعد ما انتصر «نصرا إلهيا». «حماس» ستعلن «نصرا إلهيا» بعد ما تكل أيادي إسرائيل من الذبح. انتظروا القادم من الأيام.

مسكينة قمة الكويت الاقتصادية؛ كل شيء سار ضدها. الكويتيون خططوا للقمة قبل عام، حين كانت أسعار برميل النفط تشارف على المائة والخمسين دولارا، وفكروا أن الوقت قد حان لاستراتيجية تكامل اقتصادي عربي، يستخدم فيها الفائض النفطي العربي بمشاريع اقتصادية عربية، تقوم على أسس قومية – ذاتية، تحسبا للقادم من عوائد الدهر. انهارت أسعار البترول، ودخل العالم في أزمة مالية خانقة وكساد اقتصادي، ثم قامت الحرب واشتعلت المجزرة، فطغت على الحديث عن كل حلم عربي بخلق سوق عربية مشتركة. سيتوقف العدوان، وستنتهي المجزرة: ربما بعد الفناء! ولكن البناء سيبدأ بالاقتصاد عاجلا أم آجلا.

ترى؛ هل نعيد البناء بنفس الانشقاق والتشرذم؟ المنطق يقول إنه من المستحيل أن يستمر التشرذم ونتحدث عن القمم والبناء والاقتصاد و«النصر».