درس صعب لإسرائيل

TT

الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة في طريقها إلى الفشل، ولكن قد يكون ثمة جوانب جيدة في هذا الموقف العصيب، فالحرب ضد حماس تثبت من جديد أن الحركات المتطرفة في الشرق الأوسط لا يمكن التخلص منها بالوسائل العسكرية. وإذا كانت إدارة أوباما القادمة قد استوعبت الدرس، فسوف يكون لها فرصة أفضل في تحييد التنظيمات التي تدعمها إيران مثل حماس وحزب الله للوصول في النهاية إلى تسوية سلمية إسرائيلية فلسطينية.

لقد كانت إسرائيل تراهن على أنه يمكنها تقليص القدرات العسكرية لحماس، وبعد ذلك إجبارها على وقف إطلاق النار مع الوصول إلى شروط أفضل لصالح إسرائيل. وكما كان متوقعا، رفضت حماس لعب هذا الدور، وقد حددت النصر في بقائها، وبهذه الطريقة، لم يكن ثمة حافز لديها كي توافق على هدنة جديدة دون الحصول على منافع جديدة في المقابل، مثل إنهاء الحصار الاقتصادي الإسرائيلي.

ويعني ذلك أنه يجب على إسرائيل أن تختار بين محاولة إبعاد الحركة الإسلامية من السلطة (وسيكون ذلك مكلفا بصورة كبيرة، وستكون قواتها في حيرة داخل غزة إلى أمد غير معلوم)، أو تقديم تنازلات مهمة لحماس أو الانسحاب دون أي ضمان بأن إطلاق الصواريخ ضد مدنها سوف يتوقف.

وفي أفضل الأحوال، قد يتمكن رئيس الوزراء المنتهية ولايته إيهود أولمرت من الفوز باتفاقية تنص على وجود قوات دولية للمساعدة على وقف تهريب أسلحة جديدة من مصر إلى غزة، وهو الأمر الذي لا يتطلب بالضرورة موافقة حماس. ولكن، لن يمنع ذلك حماس من الاستمرار في بناء صواريخها الخاصة أو من الادعاء، مثل حزب الله في لبنان، أنها قاومت بنجاح غزوا إسرائيليا.

والمصيدة التي صنعها أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني لأنفسهم تكمن في قدرة حماس على سحب مقاتليها وأسلحتها إلى المساجد والمدارس والمناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة، حيث تحتمل البقاء لأسابيع من القتال الدامي أو الاختباء تحت الأرض. ولكن المغالطة الكبرى هي وهم القادة الإسرائيليين المستمر وتصورهم أنه يمكن تحطيم حماس عن طريق الخناق الاقتصادي أو قوة السلاح.

ومع أنه يجب على إسرائيل الدفاع عن مواطنيها ضد الصواريخ والتفجيرات الانتحارية، فإن الوسيلة الوحيدة لهزيمة حماس هي وسيلة سياسية. فيجب إقناع الفلسطينيين، الذين ليس لهم أي تاريخ في الميل للأصولية الدينية، باختيار قيادات أكثر اعتدالا، مثل حركة فتح العلمانية. وفي الوقت نفسه، ينبغي السماح لحماس بالوجود، ودفعها إلى تفريغ طموحاتها في الصعيد السياسي بدلا من النشاط العسكري، ويعني ذلك، حسنا، انتخابات، مثل تلك التي فازت فيها حماس في 2006، والتي حصلت فيها على أغلبية في البرلمان الفلسطيني.

وقد أقيمت هذه الانتخابات بعد اعتراضات من إسرائيل، والنتيجة، جعلت إدارة بوش، التي لعبت دورا بطوليا في مجال الديمقراطية في الشرق الأوسط، تفقد أعصابها. ولكن خلال الهدوء النسبي خلال الأشهر الست الماضية، عندما كانت إسرائيل وحماس تعملان وفق شبه تهدئة، كانت السياسة قد بدأت تؤتي ثمارها، فقد أظهرت الانتخابات التي أجراها الفلسطينيون، أن دعم حماس كان في تراجع في غزة والضفة الغربية. وكان محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية وقائد حركة فتح قد بدأ الحديث عن انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، وكان يعتقد أنه يمكنه الفوز في الاثنين.

ولكن، بدلا من ذلك، التهمت إسرائيل الطعم الإيراني واختارت القتال، وهي في الوقت الحالي لا تستطيع تحقيق انتصار وتعاني من القتلى والجرحى، وتلحق الأذى بالمزيد، مما يساعدها على خلق صورة مرعبة لأجهزة التلفزة، وسيكون عليها الموافقة على تسوية غير مرضية، أو مزيد من الكرب الذي تحيا فيه لأجل غير مسمى. يجب عليها حسم المسألة حتى يتسنى للقيادات التي سوف يختارها الناخبون الإسرائيليون خلال انتخابات الشهر المقبل العمل مع إدارة أميركية جديدة للوصول إلى استراتيجية أذكى وأكثر فاعلية لمواجهة إيران وعملائها، وهي مواجهة تعتمد على السياسة وليس على القنابل.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»