اذهب إلى غير رجعة

TT

دعوني أقول باختصار إنني أرفض عام 2008 وأتبرأ منه وأشجبه وآسف عليه.

إذهب إلى غير رجعة.

لا أقصد من ذلك الإساءة إلى أي شخص، أو التعليق على أي شيء سوى الأشهر الـ 12 الماضية في التقويم الغريغوري. وهذا لا يعني أن التقويمات الأخرى، ومنها تقويم الآلهة القمري، كانت جيدة بصورة تامة. وفي الواقع، استنكر بشدة أي شخص أو قول (أو تقويم) ينقص من قدر أي كائن حي أو يسبب له إزعاجا على هذا الكوكب العظيم، أو يفصلنا عن أي كوكب آخر في هذا العالم، وتلك الكائنات التي ربما تسكنه.

يُقال، ما زالت هناك حقيقة وهي أن اسم باراك أوباما الأوسط هو حسين.

لا أذكر ذلك لأتسبب في مشكلة، فأنا أرفض المشاكل كلية، ولكن لذكر واحد من التصريحات الغريبة الكثيرة التي جعلت من عام 2008 عام الرفض والتبرؤ.

هل يمكنني القول: إن عام 2008 شهد إفراطا في عمليات الرفض والتبرؤ.

وعلى الرغم من احترامنا المزعوم للأفعال، يبدو أن الأقوال هي ما تنهي الاتفاقات والعلاقات، كما تبين لنا في العام الماضي. ويشترط الآن على من يسعى إلى منصب عام أن يشجب أي شخص قال أي شيء فيه إساءة من بعيد لأي شخص آخر. وقد تكون هذه قائمة طويلة.

إنه فعل غريب، نوع من التخلص من الذنب بالوكالة، حيث يسعى المعترف، الذي لم يرتكب ذنبا سوى الحصول على موافقة أو مصادقة آخر، إلى نيل المغفرة بالتبرؤ من الطرف «المذنب»، على طريقة: «إذا لم تكن تحب صديقي، فأنا لا أحب صديقي».

وهكذا، سعى باراك أوباما إلى التخلص من الذنب ونال ما أراد بترك كنيسته والابتعاد عن القس جيرمي رايت، الذي كان مرشده الروحي طوال 20 عاما. ولم تصدر إجابات شافية على الأسئلة ذات الأهمية الكبرى: هل تمثل خطابات رايت الشهيرة رؤية هيئة العمل التابعة له؟ وهل غض أوباما الطرف عن كلمات مرشده العدائية أم لم يلحظها أو يهتم بها؟ وأكثر أهمية مما جرى خلال العشرين عاما هذه هو إنهاء العلاقة بينهما، على الرغم من أن ذلك في بعض الأحيان ليس كافيا. وكما هو الحال دائما، يكون الحكم في عين خصوم المرء.

وطعنت هيلاري كلينتون في تبرؤ أوباما من لويس فرقان، قائلة إن أوباما كان عليه أن يرفض تصديق زعيم منظمة أمة الإسلام لانتخابه. وقال أوباما حسناً، إذا كان ذلك سيريح كلينتون فإنه «يرفض ويتبرأ» من التصديق.

وبعد ذلك اختارها وزيرة للخارجية. وشعرت بالراحة لذلك.

وكان على جون ماكين أيضا أن ينتقد بشدة أصدقائه سيئي الحظ، ومن بينهم مذيع برنامج الراديو بيل كونينغهام ومقدم البرامج الدينية جون هاغي.

لم يتمكن كونينغهام من منع نفسه من تكرار اسم أوباما الأوسط.

وقد كرر اسم «حسين» أمام حشد في سينسيناتي قبل ظهور ماكين. وبعد إلقاء خطابه أمام الحشد، أعرب ماكين عن أسفه على «أية تعليقات صدرت ضد هيلاري وأوباما وهما أميركيان شريفان».

واضطر ماكين أيضا إلى رفض تصديق هاغي بعد أن علم بشأن تعليقات المسؤول بأن أدولف هتلر كان ينفذ مشيئة الرب بالفعل بتعجيله لعودة اليهود إلى إسرائيل. وقد رفض هاغي تبرؤ ماكين منه، قائلا إن تعليقاته حرفت.

وقد أصر مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية على أن يتبرأ ماكين من تصديق القس رود بارسلي، المسؤول في ولاية أوهايو والذي صرح أن الإسلام «دين ضد المسيح يريد الاستيلاء على العالم بالعنف». واستسلم ماكين، الذي وصف بارسلي من قبل بـ«المرشد الروحي» للضغوط ورفض تصديقه أيضا.

وجاءت دعوات رفض أخرى عندما انتقد النائب جون لويس من ولاية جورجيا الحزب الجمهوري بـ«زرع بذور الكراهية والانقسام»، وهو ما دفع الزعماء السود المحافظين إلى استنكار تصريحات، على الرغم من أنها ليست زائفة.

ومع إحاطة التنديد والرفض بالجميع، تبرأ الناخبون الأميركيون من كل شيء آخر. ليس فقط من رئاسة بوش، ولكن من الماضي الأميركي الذي داهمه الليل. ويتمثل الرفض في أوباما. ونظرا للإعجاب به في مختلف أنحاء المعمورة، ربما تصبح واشنطن قريبا قُبلة غربيّة للشجب والتبرؤ.

وها هو الرفض قادم، حيث تريد منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن ينبذ أوباما إجراءات مكافحة الإرهاب التي اتبعتها إدارة بوش. وتريد طالبان أن يتبرأ أوباما من سياسات بوش «المروجة للحرب».

ومن المرجح زيادة مثل تلك الطلبات في المستقبل، لذا ربما يفكر أوباما في إنشاء موقع وزاري جديد، وزارة التبرؤ لتقييم الطلبات وإصدار التوصيات.

أويمكن أن يندد الرئيس المنتخب بتصريحات التنديد ويتبرأ من تصريحات التبرؤ في مواقف عاجزة أمام الماضي، ويمكنه أن يؤكد هذه الفكرة، مثلا بدعوة مسؤول إنجيلي مثير للجدل والانقسامات من أجل أداء الصلاة الافتتاحية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»