خونة الأمة!

TT

قالوا إن إسرائيل وجدت في قلب الوطن العربي لمنع توحد الأمة. كلام هراء، لأنها كانت سبباً لتوحد الأمة العربية، ولم تفعل، ووقعت ضحية أمواج التخوين والتثوير والتطرف، ولم يعد أحد يسلم من التخوين مهما فعل، وهذه هي المؤشرات:

خائن من يتبنى السلام خياراً! وخائن من لا يسمح بنشر ثقافة التطرف! وخائن من لا يضع موارد بلده تحت تصرف المتشددين! وخائن من يوقع معاهدة سلام! وخائن من يعبر عن رأيه ويسلط الضوء على المزايدات! وخائن ومرتجف من يتحدث عن عناصر قوة (العدو)! وخائن من لا يجعل حدود بلاده باباً لمن هب ودب! وخائن من لا يوقف تصدير الغاز والنفط! وخائن من لا يحرك الجيوش لكل صغيرة وكبيرة! وخائن من يعطي الأسبقية لتأمين رغيف الخبز لشعبه ولحماية منشآت بلاده وتعزيز اقتصادها على (حساب) تلبية رغبات المتطرفين!. وخائن كل من لا يبكي كما بكى المرشد الأعلى على ضحايا غزة عبر شاشات التلفزيون! وكأن قدر الزعماء البكاء. خائن أي زعيم لا يستجيب لمطالب (شباب) تنقصهم الخبرة وتعوزهم الحكمة، ولا يهمهم مصير الناس، ويذهبون وراء الإغواء! خائن من يزج بلاده في حروب، ويبعثر جهد الأمة ويحرفها عن فلسطين، حتى لو كانت حروبا كبرى وتحظى بتأييد كثير من (الثوريين)!.

خائن لدينه (وكافر) من هو ليبرالي وعلماني! وخائن من لا يكون مع الجهاديين ولا يؤيد ضرب (الكافرين) في عقر دارهم! وخائن من يخبر عنهم لمنع سقوط الأبرياء! وخائن من يتحدث الى الإعلام الغربي! وخائن من ينتقد مسيرة القادة الثوريين العرب ومن يستذكر إيجابياتها، من رحل منهم ومن بقي!

خائن من لا يشغل محركات الدبابات لسحق الحكام، والتوجه صوب الجهاد والنضال في فلسطين وأفغانستان وتوحيد الأمة بالقوة! وخائن من يرتدي الزي العسكري ولا يطيح رئيسه! وخائن من ينفذ أوامر الرئيس! وخائن من يتمرد عليه! وخائن من يعمل في جهاز أمني ويفرض الأمن! وخائن من يعمل في جهاز مخابرات وينسق مع جهاز غربي تنسيقاً رسمياً! وخائن من يسترق مكالمات المتطرفين لتتبع نشاطاتهم! وخائن من يقدر موقفاً تقديرا سليماً من ضباط المخابرات! فهؤلاء مجبولون على الخيانة والمؤامرة وجواسيس للغرب وخدم للحاكمين!

خائن ومرتجف من يتحدث عن قدرة العدو النووية! وخائن من يقول إنها صنعت لتستخدم لأي عبور لخطوط نهائية! وخائن من يتحدث عن الخلل في توازنات القوى! وخائن من يقول هذه المعركة، أو تلك، خاسرة فتفادوها، لأنه يثبط المعنويات! وخائن من يقول (للمجاهدين) و(المناضلين) لا تقاتلوا بين الأطفال والشيوخ وتعطوا الطرف الآخر ذريعة قصف عشوائي، إلا إذا فرضت عليكم فرضاً مشهوداً! وخائن من يعيب على الآخرين التفاخر بضخامة أعداد التضحيات البشرية التي تسبب فيها! وخائن من لا يسمي أي ضحية شهيداً، وكأنه كاتب صكوك الشهادة!

خائن ومأجور من يعطي رأياً أو يكتب مقالاً أو يجري مقابلة لا تتناغم مع نغمات المتطرفين! وخائن من لا يعبئ الناس لحرب خاسرة ولا يصفق لها! وخائن من الصحفيين من يشخص نقاط ضعف رفاقه ويظهر نقاط قوة (العدو) لتفاديها! وخائن كل من يتحدث عن الأخطاء المدمرة الى أن تنتهي المعضلة، وليس المكاشفة للبحث عن حلول توقف المأساة! وخائن من لا ينزع ربطة العنق إن لم تكن سوداء عندما يظهر على شاشات التلفزيون في زمن الأزمات! وخائن كل من يترك مساحة في وسيلة إعلامه لأحد من الرأي الآخر! وخائن من تنشر مواقع(العدو) مقالاته لسبب في نفس يعقوب أو من دونه، وكأن كل نشر يعني التوافق والاتفاق!

خائن من يقول إن فلسطين لم تعد القضية المركزية وحدها للأمة العربية! وخائن وعميل من يصرف النظر عنها، ومن يقول هناك خطر داهم يتهددكم هو الأخطر عليكم من أي خطر آخر!

أي أمة مظلومة هذه؟ وربما يعلق البعض: أي نصيب لك من الخيانات؟ فالجواب يتوقف على نوع المقياس وقد اختلت الموازين.

هذه هي الأخرى، بعد مقال العيوب، قائمة تطول، ويمكن ختمها بثلاث نقاط:

* المسؤولية فوق العواطف، ولا بد من العمل وفق المعطيات المتاحة والمطروحة، ومع أن الشباب يمثلون طاقة الأمم وحماتها، فهم الأكثر عرضة للإغواء والحرب النفسية، وينبغي الحرص عليهم وتوضيح الحقائق لهم، وليس الخضوع المسبق لهم.

* يمثل الإعلاميون الطبقة المثقفة لأي أمة، وحيثما عبروا عن رأيهم بعقلانية وحرية، كلما وجهوا الناس صوب الحق، الذي لا يعلوا عليه شيء آخر. ولو قدر لي أن يبدأ شبابي في زمن الثورة الإعلامية، لاخترت أن أكون إعلامياً، مع أن الظروف التي عملت فيها وفرت لي خزيناً مرهقاً من المعلومات.

* الأمة التي تعيش وتستمر هي الأمة التي لا تحرفها الشعارات ولا تشغلها عن قراءة المستقبل. تمر البلاد العربية اليوم في محنة كبرى، بداية الخلاص منها في وقف حرب غزة، والجنوح الى العقل والسلم، والتنبه الى ما هو أبعد.