«الإشمعنية»!

TT

يسمونها بأسماء كثيرة ومختلفة، وهناك أرتال من الأوصاف لشرحها في مؤلفات علم النفس، التي تتراوح ما بين «عقدة نقص» و«حقد» و«غيرة» و«خوف» و«قلق»، وغير ذلك من المفردات الملائمة لذلك. ولكن تبقى حالة «التنافس» السياسي في العالم العربي حالة مليئة بعلامات التعجب وعلامات الاستفهام.

هناك صراع للوصول إلى الزعامة في العالم، وفيه ناس «دخلت» على «الخط» فجأة، فبات المشهد مليئا بالمبالغات والمزايدات، وطغى منطق «الإشمعنية»، بمعنى «إشمعنى انت تعمل قمة وأنا لأ؟ أنا كمان أريد قمة»، حتى وصلنا لعقلية «قمتي» أحسن من «قمتك»، وبعدها يتبعها بياني الختامي أقوى من بيانك الختامي، وطبعا لا بد أن يقولوها «جماعتي» أصدق من «جماعتك»، حتى نصل بطبيعة الحال إلى مرسى الأمان الأخير، المتمثل في: أنا «أيوه» وأنت «لأ»، ولا يملك متابع عاقل وحكيم وموضوعي ومنصف سوى ضرب كفيه بعضهما ببعض، وحك فروة رأسه، والسؤال بتعجب وصوت عال، وبلغة لبنانية عامية «هلأ هيك بدنا نقضيها؟».

وهذه السياسة مهما كانت نواياها حسنة وشريفة لا بد أن تحدث شروخا وانقسامات هائلة، وهو ما عانى منه العرب طويلا من قبل وفي مناسبات عديدة ومختلفة. ومزايدات المواقف «القممية» لا تزال حية في الذاكرة، فمن ينسى «جبهة الصمود والتصدي»، التي تحولت إلى رمز «كاريكاتوري» ساخر للمواقف القومجية الفارغة؟ وبالنظر إلى كل دولة من الدول التي كانت ضمن هذه الجبهة، ورؤية وضعها اليوم، مقارنة بما كانت عليه، لا يملك الإنسان سوى ترديد «بقاء الحال من المحال، والدوام لله!». ومن ينسى مؤتمر قمة الخرطوم، الذي خرج باللاءات الثلاثة الشهيرة؟ والتي تحولت مع الوقت إلى «الشخرات» الثلاثة الشهيرة، مؤدية إلى موقف يدعو للاستغراب والاشمئزاز.

«الإشمعنية» قد تأخذ العرب إلى خط جديد من الانقسام والتقسيم، فلن يكون غريبا أو شاذا أن تكون المطالب باستحداث كيان آخر «لمنافسة» جامعة الدول العربية، وتغييرها قليلا لتضم إيران وتركيا وحتى فنزويلا وبوليفيا أيضا!، ولا غضاضة ولا عجب أن يسحر الناس بمواقف هوجو شافيز المهمة في طرده للسفير الإسرائيلي من فنزويلا (وهو موقف للأمانة جدير بالاحترام والإعجاب)، ولكن كل المطلوب أن لا يحدث انسياق موهوم وتمجيد بائس لشخص شافيز، ومطالبة كل الزعماء العرب بأن يكونوا مثل شافيز!، ومن هنا يبدو أنه من الضروري أن يكون التذكير مطلوبا، فشافيز فيه «حركات» بعض العرب السياسية بشكل يدعو للفخر والإعجاب، فهو قام بالتعديل في مواد دستور بلاده ليمتد في فترات حكمه، وقام بتأميم بعض المنشآت الاقتصادية الكبرى، ويقوم بتحريك قوات جيشه لتهديد جيرانه، وبالتالي وجب التحذير من التخدير بظاهرة هوجو شافيز لأنه «اللي فينا مكفّينا»!

واليوم، ومع استحواذ ظواهر وتوابع وأعراض «الإشمعنية» على الساحة السياسية، ورؤية نتاجها ذات اليمين وذات الشمال، كان لزاما التدقيق عن الأغراض الممكن تحقيقها والمصالح الممكن جَنْيها جراء ذلك كله، وهل هناك مصلحة عامة من الممكن إنجازها، أم أنه فصل جديد في تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت؟ السعودية والأردن ومصر بطرق وأشكال وأساليب مختلفة دفعوا أثمانا جراء «الإشمعنية»، التي مورست وتمارس في حقهم عبر السنوات، وما يحدث الآن ما هو إلا فصل جديد بائس في المشهد السياسي العربي الحزين، ويبدو أن سرادقات العزاء في طريقها للتوسع، واحد لضحايا غزة، والثاني لمشروع جامعة الدول العربية. والعوض بسلامتكم.

[email protected]