الملك عبد الله.. والطريق الثالث

TT

قدم الملك عبد الله بن عبد العزيز طوق نجاة للعلاقات العربية ـ العربية يوم أمس في القمة العربية بالكويت، حيث قدم فسحة أمل كبيرة في لحظة عصيبة، اختلط بها كل شي، من الدماء وحتى العبث السياسي.

كانت العلاقات العربية يوم أمس، وحتى بعد انطلاق القمة بدقائق، أمام طريقين كلاهما أسوأ من الآخر، فإما ملاسنة وتعميق لهوة الخلاف، أو أن تنتهي القمة بدون شيء يذكر، ويبقى أمام العرب مشوار آخر من الخلافات الطاحنة.

إلا أن الملك عبد الله بن عبد العزيز قرر أن يسلك بالقمة، والعرب، طريقا ثالثا، مختلفا ومفاجئا، وسعيدا، عندما ألقى كلمة غير مجدولة، كانت صريحة كقائلها الذي تسامى على الخلافات والدخول في تفاصيل يسكن الشيطان في كل أركانها.

لام القادة ونفسه على ما يحل بالعالم العربي، ولام الفلسطينيين على فرقتهم، ثم دعا العرب كلهم من دون استثناء لصفحة جديدة تطوي الخلافات، وأعلن عن تبرع كبير لغزة المنكوبة.

الطريق الثالث للعلاقات العربية ـ العربية، الذي سلكه العاهل السعودي أحدث أثرا مثل الزلزال في قاعة المؤتمر، وكنا نرى بأم العين الربكة في ردود فعل الوفود، عندما طلب الملك الكلمة وبعد أن فرغ من إلقائها.

التقى السوري والسعودي والمصري، وكأن معجزة حدثت، وبكل تأكيد أن الأهمية لا تقف هنا فقط، بل هناك من يفترض أن يستفيد من طريق عبد الله بن عبد العزيز الثالث أيضا العراق ليتواصل مع عمقه العربي أكثر، وهذا ما يجب أن يتم من العراقيين والعرب.

والسؤال الآن ماذا بعد، هل انحلت مشاكلنا العربية ـ العربية؟ الاجابة لا، فما زال الطريق صعبا وطويلا، لكن أهم ما تحقق أن العلاقات العربية ـ العربية نجت من شرخ أعمق! فما مرّ على العرب من خلافات في الأسابيع الماضية كان عميقا. وما حل بغزة كان أمرا محزنا ومخجلا وصاعقا، فمن يريد الحرب عليه أن يقدر عواقبها، لا أن يشعلها ثم يستغيث بالشارع، والحكومات. كما أن من يريد أن ينصر أخاه المظلوم ينصره بالمصارحة لا بالكذب عليه، وخداعه.

كما أن خطاب الملك السعودي يدعو إلى القول بأن الدول العربية أكبر من التنظيمات والجماعات، وعلى الدول أن تعرف ذلك، وإذا فهمته وعرفته، فستكون الرسالة قد وصلت للجماعات، بكل أنواعها.

على حماس، إن أرادت أن تمارس العمل السياسي، أن تأتي تحت البيت الفلسطيني، لا الإيراني، فلا شيء يمنع أن يختلف الفلسطينيون في ما بينهم، ولكن لا أن يعتركوا بالسلاح، أو يتخيلوا أنه من المقبول أن تكون حماس هي القضية والقضية هي حماس.

تحققت المصالحة العربية بشكل واسع، لكن بقيت ملفات تحتاج إلى حلول، وملفات كبرى، لكن العقبة الكبرى تم تجاوزها في الخلاف العربي، وهو الحاجز النفسي للقطيعة، فاليوم ستضيق الهوة التي يتدخل منها الإيرانيون على الأقل.

كما أن على العرب، إن كان السوريون أو السعوديون أو المصريون، أن يتفقوا على أن أوطانهم هي أوطانهم وأن إيران هي إيران، فلا مانع من علاقات طيبة، لكن لا بد من خطوط حمراء ترسم لطهران.

والسؤال الآن هل تمضي العلاقات العربية إلى واقع أفضل؟ الواقع يقول إن الطريق طويل، لكن الاجابة ستكون في دمشق، أولا وقبل كل شيء، وفي عواصم عربية عدة، إلا أن العالم العربي برمته قد تنفس الصعداء من خطاب العاهل السعودي التاريخي في الكويت.

[email protected]