مسؤولية وزارة التربية في حجز الفتاتين

TT

يلوك المجتمع هذه الأيام قصة الأخ غير الشقيق، الذي قام بحجز أختيه لمدة 10 سنوات في غرفة ضيقة، مسورة بجدار، معدومة التهوية، إلا من نافذة صغيرة جدا محاطة بحاجز حديدي، مبررا فعله ـ حسب صحيفة «عكاظ» السعودية ـ بالحفاظ عليهما من شرور الدنيا، ومشيرا إلى أنه احتجزهما بناء على نصيحة الكثيرين من الجيران لمصلحتهما، وعدم المساس بسمعة الأسرة، ويعترف أنه بعد تسع سنوات تقدم للشؤون الاجتماعية في منطقة جازان لاستلامهما وعلاجهما، ولكن الشؤون الاجتماعية لم تكن هي الأخرى أرحم من الأخ غير الشقيق، فمرت سنة دون أن تحضر، ولا أستطع أن أجزم إن كان الأخ غير الشقيق على إدراك بحجم الخطأ الذي ارتكبه أم لا، إذ ربما يكون على مستوى ثقافي لم يمكنه من إدراك مخاطر ما فعل.

وتعاني الفتاتان من مشكلات تخلف عقلي، وصعوبات نطق، وفقدان القدرة على التفاعل الاجتماعي، ومن المؤكد أن التعامل معهما في هذه المرحلة يتطلب جهدا نفسيا وتربويا تقوم به جهات متخصصة، فعزلة العشر سنوات من شأنها أن تصعب عملية تأهيلهما اجتماعيا.

هذه الصورة المأساوية التي تتكشف بين حين وآخر، أخال أن لها مثيلات لم نتوصل إلى اكتشافها بعد، ولو كان لدينا تطبيق جاد للتعليم الإلزامي في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، لأدركنا حجم الفاقد، الذي ربما يعاني بعضه من عزلة تشبه إلى حد ما عزلة الفتاتين، إذ ليس ثمة وسيلة في مجتمعنا يمكن عبرها اكتشاف مصائر الأطفال، إلا بتفعيل مبدأ التعليم الإلزامي، وتطبيقه على الجميع، لتدارك الكثير من المشكلات التي تحيط بالأطفال في مختلف البيئات الاجتماعية.

والتعليم الإلزامي ضرورة وليس ترفا تربويا، وتتساوى في الحاجة إليه الدول المتقدمة والنامية، فتباينات الوعي الأسري يحمل وزارات التربية مسؤولية التأكد من أن كل الأطفال، الذين هم في سن التعليم، ينعمون بحق التعلم، وأن لا يخضع استمرار أي منهم في المؤسسات التعليمية لقرار الأسرة وخياراتها، فالقوانين المصاحبة للتعليم الإلزامي المطبق في الكثير من الدول تعاقب كل أسرة لا تبعث بأطفالها إلى المدرسة في المرحلة العمرية، التي يحددها التربويون.

إن تفعيل مبدأ التعليم الإلزامي يحفظ حقوق الطفولة، ويمنع عنها الممارسات الخاطئة، التي يرتكبها بعض الأفراد، مثل ما فعل الأخ غير الشقيق، الذي احتجز أختيه لعشر سنوات، كما يكفل تفعيل التعليم الإلزامي أيضا الكشف المبكر عن حالات التخلف العقلي، والإعاقات الجسدية، وتقديم الرعاية المناسبة لها.

وفي ظل الدعم الكبير الذي تتلقاه وزارة التربية والتعليم من قبل قيادة البلاد، فإن تفعيل مبدأ التعليم الإلزامي يفترض أن يكون البند الأول على أجندة مشروعاتها، فليس ثمة ما يستحق أن يسبقه أهمية وأولوية.. فهل تفعل؟

[email protected]