إلى أوباما: اترك «الحرب على الإرهاب».. واعقد محادثات مع حماس وطالبان

TT

من غزة إلى قندهار، تجابه إدارة باراك أوباما الجديدة نمطين من الحركات الإسلامية: أولهما حركات لها أجندة عالمية (مثل تنظيم القاعدة والجماعات المحلية العاملة تحت لوائه)، بينما يتبع النمط الثاني أجندة إقليمية قومية (مثل طالبان وحماس وغالبية الجماعات المناوئة للولايات المتحدة داخل العراق). وفي الوقت الذي لا يوجد ما يمكن التفاوض بشأنه مع الجهاديين العالميين، فإنه لا يمكن ببساطة تجاهل الحركات الإسلامية ـ القومية أو قمعها.

وفي الواقع، لا تعدو حركة حماس عن كونها تعبيرا عن التوجهات القومية الفلسطينية التقليدية تحت رداء إسلامي. وتمثل طالبان حركة معنية بالهوية البشتونية أكثر من كونها حركة عالمية. ويدور تنافس الفرق العراقية ليس حول إيران أو السعودية، وإنما المشاركة في (أو احتكار) السلطة داخل العراق.

ومع ذلك، تسببت «الحرب على الإرهاب» خلال سنوات رئاسة بوش في طمس هذا الاختلاف الجوهري بين النمطين، من خلال جمع كافة الخصوم المسلحين للحكومات المدعومة من قبل الولايات المتحدة تحت مسمى الإرهاب. وأسفرت فكرة «الحرب على الإرهاب» عن إجهاض أي توجه سياسي لتناول الصراعات، والميل بدلا من ذلك لصالح جهود إحراز نصر عسكري من المتعذر تحقيقه.

وفي المقابل، أثبتت التوجهات السياسية نجاحها حينما جرى تجربتها. وعلى سبيل المثال، نبع النجاح النسبي الذي أحرزه قرار زيادة أعداد الجنود الأميركيين في العراق من الرفض الضمني للمبدأ الأساسي في «الحرب على الإرهاب»، حيث تم الاعتراف بالمتمردين المسلحين المحليين كعناصر سياسية تتبع أجندة مشروعة إلى حد ما. وبذلك تم الفصل بين هؤلاء المتمردين والعناصر المسلحة الأجنبية التابعة لحركات عالمية التي لا تأبه مطلقا بالمصالح الوطنية العراقية.

والتساؤل المطروح الآن: هل يمكن تطبيق التوجه ذاته مع طالبان وحماس؟

في الواقع، يوحي تعيين الجنرال ديفيد بترايوس كقائد للقيادة المركزية، بأن الولايات المتحدة تراودها هذه الفكرة بالنسبة لأفغانستان. وفيما يخص حماس، تكمن القضية برمتها في أيدي قادة إسرائيل، وليس في الولايات المتحدة. (وعليك أن تنسى أمر الضغوط الأميركية على إسرائيل، ذلك أن مثل هذه الضغوط باستطاعتها فرض إبرام اتفاق مؤقت، لكن ليس حلا طويل الأمد).

ورغم ذلك، تبقى القضية بالنسبة لكل أفغانستان وفلسطين واحدة: إذا حل البعد القومي محل الجهاد العالمي ـ وأعتقد أن ذلك قائم بالفعل ـ كيف يمكن التوصل لحل بناء على الاعتراف بشرعية التطلعات القومية؟

وفيما يتعلق بفلسطين، حدد اتفاق أوسلو إطار العمل الذي لا يزال يوجه السياسة المشتركة للغرب بهذا الصدد، اعتمادا على حل الدولتين. ومن بين النتائج الجانبية الإيجابية لهذا الحل، وهو ما يجعله أكثر أهمية بالنسبة لواشنطن، أنه قد يخلق مساحة أمام ترتيبات استراتيجية جديدة ضد إيران. وجدير بالذكر أنه من منظور كافة الدول العربية، عدا سوريا، تشكل إيران مصدر التهديد الأكبر حاليا، وليس إسرائيل.

بيد أن المشكلة تكمن في الواقع السياسي على الأرض، حيث تعجز أي دولة عربية عن فرض مثل هذا التحول الاستراتيجي الصريح على الرأي العام لديها دون الوصول إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. موجز القول، حل الدولتين محكوم عليه بالفشل على أرض الواقع حتى لو ظل قائما بالأجندة الدبلوماسية.

وفيما وراء هذه الحقيقة، تعني المستوطنات الممتدة والمتطلبات الأمنية الإسرائيلية أنه لن تظهر أبدا دولة فلسطينية قادرة على البقاء. ومن خلال جعلها الأمن شرطا رئيسيا مسبقا لأي تحرك سياسي، تعمل إسرائيل ضد حليفيها المحتملين، محمود عباس وحركة فتح (المحرومين من الأدوات اللازمة للتنفيذ)، ولصالح الراديكاليين الذين ينظرون إلى المفاوضات باعتبارها أمرا لا طائل من وراءه.

وما يزيد الأمر تعقيدا، أن إسرائيل والغرب حاولا فرض إجراء انتخابات على الفلسطينيين ونتائج هذه الانتخابات. ويرى الغرب أنه لم يكن ينبغي أن يختار الشعب الفلسطيني حماس من خلال سبل ديمقراطية، وإنما كان عليه اختيار السلطة الفلسطينية - رغم تعرض السلطة لحرمان منظم من الأدوات الفعلية التي تمكنها من ممارسة الحكم. أما خيار التفاوض مع حماس، فلم يوضع في الاعتبار مطلقا.

والآن، حان الوقت للتفكير في هذا الخيار.

وبغض النظر عن المبرر وراء العمليات العسكرية في قطاع غزة (سواء كان معاقبة السكان لدعمهم حماس أو تحريرهم من سيطرة الحركة)، فلن يكتب لها النجاح. ربما يساعد القضاء على القدرات العسكرية لحماس في كسب بعض الوقت، لكنه لا يحل القضية.

وطبقا لمنطق السيناريو العسكري الراهن، فإنه سيتحتم إما إعادة إقرار سيطرة السلطة الفلسطينية داخل غزة - لتواجه بذلك حربا سياسية وعسكرية مع حماس - أو سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي على القطاع مجددا، ربما بمشاركة قوات أجنبية. وفي كلتا الحالتين، سيحول «الحل» العسكري دون ظهور دولة فلسطينية.

وعليه نجد أن فلسطين محكوم عليها، على أفضل تقدير، أن تخضع لاحتلال إسرائيلي دائم أو لصورة ما من الانتداب الدولي. أما مقترح تسليم غزة لمصر، وما تبقى من الضفة الغربية إلى الأردن، فلن يسهم سوى في توسيع بؤرة الصراع. ومن شأن ذلك، القضاء على النتيجة الإيجابية الوحيدة لمفاوضات أوسلو، ألا وهي تحويل الصراع العربي - الإسرائيلي إلى صراع إسرائيلي - فلسطيني.

وبالمثل، تتسم مسألة التعامل مع طالبان بالتعقيد، ذلك أن الحركة لا تجسد القومية «الأفغانية»، وإنما الهوية البشتونية. وجدير بالذكر، أنه لا يكاد يوجد أي من أعضاء طالبان في وسط وشمال أفغانستان. وعلى مدار الأربعين عاما الماضية، جرى التعبير عن الهوية البشتونية من خلال حركات آيديولوجية غير قومية (مثل جناح خلق داخل الحزب الشيوعي الأفغاني، والعديد من حركات المجاهدين، والآن طالبان).

وعليه، فإنه إذا ما رغبت إدارة أوباما حقا في إحداث تغيير في المعادلة القائمة في الشرق الأوسط وأفغانستان، عليها الاعتراف بالدوافع والتطلعات الحقيقية، وليس الخيالية، التي تتحرك بناء عليها حركات مثل حماس وطالبان. ومن شأن هذا الاعتراف دفع واشنطن للدخول في محادثات مع طالبان في أفغانستان والتطلع نحو إيجاد حل سياسي، بدلا من العسكري، يستجيب لتطلعات البشتون المشروعة. كما سيؤدي ذلك إلى امتناع واشنطن عن التصديق على الوهم الإسرائيلي القائم على فكرة أن إسرائيل بإمكانها محو حماس بالقوة، وفي الوقت ذاته إحباط مساعي إقامة الدولة الفلسطينية.

ولا شك فإن إغلاق غوانتانامو، الذي تعهد به أوباما بمجرد توليه الرئاسة، يعد عملا رمزيا قويا يوحي بأن الولايات المتحدة بدلت مسارها. وسيسهم اتخاذ توجه جديد يخلف وراءه الفكر الخاطئ، الذي يضع حماس وطالبان في قالب شبيه بقالب «القاعدة» داخل إطار «الحرب على الإرهاب»، بقدر أكبر في تعزيز أمن الولايات المتحدة والسلام والاستقرار بالمنطقة الممتدة من غزة إلى قندهار.

* مدير البحث في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث. ومحاضر بكلية الدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية. وألف كتب «الإسلام المتعولم: البحث عن أمة جديدة»، و«فشل الإسلام السياسي» أحد الكتب القيمة التي يقبل عليها دارسو الإسلام السياسي. أما أحدث مؤلفاته فكتاب «العلمانية تواجه الإسلام».

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ «الشرق الأوسط»