عهد جديد

TT

حتى اللحظات الأخيرة في فترة رئاسته، يصر الرئيس الأمريكي أن يظهر للعالم معدنه الأصلي وألوانه الحقيقية، فبعد أن أعطى الضوء الأخضر للغزو الإسرائيلي الهمجي المسعور على قطاع غزة وأهله، ومنحه الدعم والغطاء السياسي بالتعليقات الصادرة عن إدارته، هاهو يثبت للعالم «عمليا» مشاركة إدارته في هذه المجزرة، وذلك بالاتفاق على وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي فقط، بعد التوقيع على ذلك في واشنطن بين وزيرتي الخارجية الأمريكية كوندليسا رايس، والإسرائيلية ليفني، ويا له من توقيت «عجيب» فهو ولحسن الحظ «يصادف» أنه آخر يوم في الإدارة الأمريكية الحالية، قبل تسليم المهام رسميا لإدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما وفريقه المختار. إنها تلك النوعية من المواقف اللا«أخلاقية» التي كان يبني عليها جورج بوش رؤيته للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، التي جعلته يحتل أدنى المستويات في تاريخ استطلاعات الرأي لأداء الرؤساء الأمريكيين، وهي التي هزت من المكانة والدور التاريخي للمبادئ السياسية لأمريكا في العالم. والعجيب أنه بعد «سماحه» للمجازر في العراق وغزة يستطيع أن يركع للصلاة أمام ربه، وأن ينام بالليل قرير العين ويدعي أنه رجل دين، يا لها من سخرية. باراك أوباما يستعد لاستلام المنصب العالمي الأهم والأخطر، وهو من المفترض أن يكون واضعا نصب عينية جيدا حجم التركة المفزع التي خلفتها الإدارة الأسوأ في تاريخ الحكومات الأمريكية. اقتصاد في حالة غيبوبة خطيرة، وسياسة خارجية منهارة. ولعل باراك أوباما بقليل من الذكاء، وبالكثير من الحكمة، يدرك أن حال الغضب والاستياء بحق السياسة الخارجية الأمريكية جاء في المقام الأول، تحديدا، جراء السياسة الخبيثة والمدمرة لها في الشرق الأوسط، التي خططت لها جماعة المحافظين الجدد بألاعيبها وتوجهاتها السيئة، والتي راعت فيها أمن إسرائيل أولا وأخيرا، وجعلت أمريكا وجيشها واقتصادها ثمن تأمين أمن إسرائيل. وهذا هو الواقع بحذافيره مهما حاول قطاع الصحف والإعلام الموتور ومراكز صناعة القرار إعادة تدويره ببريق من الأكاذيب والكلام المزدوج، الذي لا غاية منه سوى التضليل وتكريس الكذبة الكبرى. جورج بوش ترك ملف الشرق الأوسط وأهمله بعنجهية وجبروت وتعجرف، مما أدى إلى أن يصيب وحله إدارته، حتى الأيام الأخيرة بلا شك. باراك أوباما وضع شعارا جذابا لحملته الانتخابية، حرك فيها مشاعر الناخبين، كان الاعتماد فيها على مبدأ «التغيير» عبر شعار « نعم نقدر» ، ولا مكان مطلوب فيه إحداث التغيير اليوم أكثر من الشرق الأوسط، وهي منطقة تكرست فيها ازدواجية المعايير والكيل بميزانين لصالح الدولة المارقة إسرائيل، ولا مكان فيه ممكن أن يختبر فيه باراك أوباما قدرته على «نعم نقدر» أكثر من الشرق الأوسط والحفاظ على ما تبقى من الزعامة العالمية لأمريكا، مركز انطلاقاته سيكون الشرق الأوسط عبر إعادة الأمور إلى العقل والعدل، وبغير ذلك سيستمر الوضع إلى انفجار ودمار وانهيار. نعم الاقتصاد الأمريكي ومشاكله الداخلية يبقى الملف الأول والأزمة الأخطر، ولكن الشرق الأوسط بوضعه المتأزم مرشح أن يزداد اشتعالا طالما استمرت الآلة المسعورة الإسرائيلية تحصد الأرواح بلا رادع. نبارك لباراك أوباما المنصب الجديد ونضع أيدينا على قلوبنا.

[email protected]