قراءة في قائمة كتاب بوش

TT

في واحدة من أروع المقالات بلا شك لهذا العام، كشف كارل روف عن أن صديقه الرئيس الأسبق جورج بوش قد يكون قرأ مئات الكتب خلال فترة رئاسته. وكان من بينها رواية «الغريب» لألبرت كاموس، ونقرأ في سطورها الافتتاحية التي لا يمكن أن تُنسى: «ماتت الأم اليوم، أو من المحتمل بالأمس، لا أعلم». وبعد قراءة العمود الصحافي الخاص بكارل روف بصحيفة «وول ستريت جورنال»، بات واضحا أن ثمة الكثير من الأمور لا نعلمها جميعا.

يعد اختيار بوش لرواية كاموس الكلاسيكية أمرا غريبا من مظهره الخارجي. وهي رواية عن العزلة والكراهية، وتدور أحداثها عن ميورسول، وهو شخص فاقد المسؤولية الأخلاقية، وغير مكترث بالوازع الديني، كما أنه لا يبدو عليه أبدا أي نوع من أنواع العاطفة أو الإحساس. وخرج هذا الكتاب خلال فترة تدخيني لسجائر غاولويز، وقرأته خلال فترة المطاردة العابثة للنساء النزاعات إلى قراءة الأعمال الأدبية، كما أنه ليس بالكتاب الذي قد أفكر أن رئيسا تخطى حاجز الستين سيقرؤه. وربما يحدث هذا الأمر عندما يتعين عليك التخلي عن اتجاهك.

وفي عموده الصحافي، أوضح روف أن بوش قرأ 95 كتابًا في عام 2006 فقط. وفي عام 2007، قرأ 51 كتابًا، فيما قرأ 40 كتابا حتى نهاية الأسبوع الماضي من عام 2008. وتعتبر تلك الأرقام بالغة الدقة نظرا إلى أن بوش تحدى روف منافسا إياه بشأن من يمكنه قراءة أكبر عدد من الكتب. ودائما ما كان يربح روف، لكن بوش لديه عذر جاهز، إذ دائما ما يقول أنه مشغول كونه «زعيم العالم الحر»، ومع ذلك فإن هذا ليس عذرا. فقد أخبرني دوايت ايزنهاور ذات مرة (إنني لا أرتب هذا)، فقد كان لديه متسع من الوقت خلال الرئاسة للرسم أكثر مما كان يفعل خلال فترة تقاعده.

ويروق لروف أنه كتب تعليقا على رسم كاريكاتوري، قال فيه «عرفت جورج دبليو بوش وأنا في الـ35 من عمري، وكان دائمًا ما يحتفظ بكتاب إلى جواره. وقد أكد على كونه رجلا كبيرا من ميدلاند بولاية تكساس، وتخصص في التاريخ بجامعة يال، وتخرج في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد. ولا يمكنك العمل في المجالين ما لم تكن قارئا».

وكما هو متوقع، تمثلت أغلب الكتب التي قرأها بوش في السير الذاتية، والتاريخ. وعادة ما كانت السير الذاتية عن رجال عظام غالبا ما أقدموا على أشياء لم تحظ بالقبول الشعبي، إلا أنه تم الدفاع عنهم وتأييدهم في نهاية الأمر. وبالنسبة للتاريخ، فقد كانت الكتب التي قرأها مفعمة ومتخمة بالحكايات التحذيرية. وهذا ما يبرر وجود رواية هوغ توماس الكلاسيكية «الحرب الأهلية الإسبانية» في قائمة الكتب التي قرأها خلال هذا العام الرئاسي. وإذا ما كان هتلر وموسوليني قد توقفا في إسبانيا، كان سيتم تفادي قدر كبير من ألم الشقاء الحادث حينها. ولتستعيض عن العراق بأسبانيا، وسيكون لديك ـ بالنسبة للرئيس ـ بعض الوقت للقراءة المطمئنة قبل النوم.

ومن المتأخر للغاية بالنسبة لروف (ومن المنطقي لبوش أيضًا) أن يؤكد المزايا والحقيقة الفكرية للرئيس. إلا أن الكتب ذاتها تكشف ـ وفي الحقيقة تؤكد ـ شيئًا عن بوش، من المحتمل ألا يكون روف قد قصد الكشف عنه. فهي ليست قراءة لرجل شغوف بالقراءة إلى حد كبير، بل إن تلك الكتب لدى رجل يسعى ـ ويرى ـ التبرير والمبرر في كل صفحة يطويها. ولطالما كان بوش أسيرا للأفكار الثابتة، وبالفعل دعمت كتبه هذه الفكرة. وتعد القائمة التي قدمها كبيرة فعليا، لكنها ضيقة الأفق، فهي تفتقر إلى قدر كبير يوضح كيف ولم كانت حرب العراق خطأً، وهي الحرب التي تحولت إلى كارثة. ويغيب عن تلك القائمة أيضا «الحياة الامبراطورية بمدينة الزمرد» لراجيف تشاندراسكاران، و«الإخفاق» لتوم رايكس، و«بوابة السفاحين» لجورج باكر، و«الجانب المظلم» لجان ماير، ويدور هذا الكتاب عن سياق متصل للموضوع، إذ يتناول قضية «عمليات التسليم الاستثنائية» للمعتقلين لدول أخرى، والجمل المتكررة كثيرا عن الدستور. ويغيب عن القائمة أيضا كتاب «المخادع» لبارتون غيلمان، ويتناول هذا الكتاب رئيس عمليات التعذيب عبر الإيحاء بالغرق، ديك تشيني.

لقد قرأ بوش كتاب «الشتاء قارس البرودة» لديفيد هالبرستام، ويدور عن الحرب الكورية، ومع ذلك لم تتضمن قائمته «الأفضل والأكثر إشراقًا» لذات المؤلف، ويدور هذا الكتاب عن الحرب الفيتنامية. لقد قرأ بوش بعض الروايات أيضا، ولكن تلك الروايات معدة للأفلام في غالبيتها، وهي ذات حبكة روائية وليست مكتوبة، كما أنها تفتقر إلى جمال السخرية. وفي هذا الصدد أرشح له «ليوبارد» أو النمر للكاتب غيوسيب دي لامبيدوسا، فهي رواية رائعة. إنني أرفع القبعة تحية لهذا الحجم الضخم من قراءاته، والتي تتسم أيضا بالذوق والجودة الراقية، إلا أن كتبه تنم عن رجل يسعى لمعرفة ما يعرفه فعليا. لقد ماتت صورة بوش غير المعروفة اليوم ـ أو من الممكن في الأمس؟ إلا أن حقيقة الرجل المعزول فكريا ستبقى.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)