الوفاق السوداني المتعطل

TT

للحكومة والمعارضة في السودان رأيان مختلفان وموقفان متباينان ازاء عملية الحوار والتوجه نحو الوفاق الوطني وفقاً للمبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة والتي قبلها الطرفان نظرياً ولكن كل بفهمه الخاص حول ما يجب أن تنتهي اليه هذه العملية.

الحكومة من جانبها ترى انها في موقف قوي وليس هناك تهديد حقيقي من جانب المعارضة لقبضتها او لسلطتها، وتعتبر انها يمكن ان تتوصل الى اتفاق مع الجنوبيين بمعزل عن بقية المعارضة الشمالية، ولذلك فإنها تريد مصالحة تؤدي الى تذويب المعارضة في الحكم، اي اعطائها بعض الوزارات والمناصب مقابل اعتراف المعارضة بحكم الانقاذ وقبول توجهاته والعمل ضمن برامجه. وقد عبر عن هذا الامر بوضوح شديد الرئيس عمر البشير عندما صرح قبل ثلاثة ايام بأن حكم الانقاذ في أحسن حالاته سياسياً واقتصادياً، وأنه غير مستعد لتسليم الحكم الى المعارضة التي اعتبر أن لا وجود حقيقياً لها في الداخل عندما وصفها بـ«القاعدين برة». في الجانب الآخر من المعادلة فان المعارضة ترى في الوفاق وسيلة لتفكيك حكم الانقاذ «سلمياً» بعدما فشلت في تحقيق ذلك عسكرياً، ولذلك فإنها قبلت المبادرة المشتركة بفهم ان بنودها التسعة تحقق لها هذا الهدف. والخلاف الاساسي بين الطرفين يدور حول موضوع تغيير الدستور وحول مسألة تشكيل الحكومة الانتقالية. فالحكم، كما عبر عن موقفه الفريق البشير، يصر على ان تعديل الدستور يتم فقط من خلال الآليات المنصوص عليها فيه، اي من خلال استفتاء اذا كان الامر يتعلق بـ«الثوابت»، او بأغلبية الثلثين في البرلمان في حالة القضايا غير الجوهرية. أما المعارضة فترى أن تعديل الدستور يكون من خلال مؤتمر قومي دستوري تتمثل فيه قوى المعارضة والحكومة، ويكون جزءا من آلية الوفاق.

كذلك بالنسبة لمسألة تشكيل حكومة انتقالية، اذ يؤكد المسؤولون الحكوميون ان تشكيل مثل هذه الحكومة يتم بعد حدوث الاتفاق السياسي بين الحكم والمعارضة وليس قبل ذلك. من جهتها ترى المعارضة ان الحكومة الانتقالية يجب ان تشكل بحيث تشرف على تنفيذ ما يتفق عليه وعلى الإعداد لانتخابات حرة جديدة والاشراف عليها. ولأن الطرفين يدخلان الى عملية الوفاق من هذا الفهم المتباين، فقد برزت خلافات داخل كل معسكر وبدأت تصدر تصريحات متباينة الى درجة يحاول معها مثلاً وزير الخارجية تصحيح تصريح للرئيس، فيخرج الرئيس ليؤكد في خطاب علني تمسكه بتصريحاته ويقول انه لم يخطئ في التعبير بل اختار عباراته بشكل دقيق. كذلك اضطر نائب الرئيس السوداني للخروج بتصريحات ينفي فيها وجود خلاف بينه وبين الرئيس.

كل هذه الاجواء لا تبشر بالخير بالنسبة لعملية الوفاق او بالنسبة للمبادرة المصرية ـ الليبية المشتركة التي ستصطدم عاجلاً ام آجلاً بحائط الفهم المتباين لبنودها وللهدف المتوخى منها، لتبقى الازمة السودانية تدور في حلقة مفرغة.