زيت الزيتون وحياة الناس المعلقة بالرقابة

TT

قرأت عن عزم بعض الشركات مقاضاة مصنعي زيت الزيتون الأسباني. ومن المستبعد أن تفلح الشركات المدعية في الحصول على شيء من الشركة المدعى عليها، لكن اشهار المشكلة تسبب في انقاذ ارواح من لم يفرط بعد في سكب الزيت على صحن الفول. هذه المرة كان سحب البضائع فوريا من الاسواق العربية بسبب نشره في الصحف.

في سوق اليوم زيت الزيتون ليس زيتا، والمياه المعبأة ليست كلها معدنية، والورود الوانها ليست طبيعية، وبفضل تطعيم الطماطم كيميائيا تبدو اكثر احمراراً والموز اطول عمرا. ولم تعد سهلة علينا العودة الى زراعة حدائقنا، فقلة منا تملك حدائق، والتي تملكها لا تريد ان تزرعها، والقلة القليلة الراغبة في الفلاحة ستحصد محاصيل طبيعية، لكن الوانها باهتة وخضرواتها سريعة الذبول تهاجمها الحشرات قبل ان تقطفها يد زارعها.

لهذا فان خيارنا بعد الاتكال على الله ان نأكل من السوق راجين ان تكون عين الرقابة المحلية مفتوحة، تلاحق ما ينشر في الصحف وتبادر بسحب ما يذاع عن فساده او خطورة مكوناته، كما حدث مع زيت الزيتون الاسباني. فالذي كشف عن مادة البنزوبيرين المسببة للسرطان هي السلطات الاسبانية نفسها. وبسبب سرعة النشر ولأن هناك مسؤولا قرأ، تم على عجل اعدام ما كان من كميات في الاسواق. املنا اليوم ان تكون هناك شبكة تتبادل المعلومات حول ما يستجد من تحذيرات وضوابط في كثير من دول العالم التي لا يصلنا منها الا القليل، اما باجتهاد صحافي نشيط، وليس كل الصحافيين مثابرين، او من خلال مكتب تجاري عربي. ومعظم المكاتب التجارية العربية المنتشرة في العالم يندر ان تتابع التحذيرات في البلدان التي تعمل فيها. فنحن لم نعرف عن فضيحة اطارات السيارات الا بعد ان ظهرت حقائقها في الكونجرس الاميركي الذي اذاع في جلساته معلومات مفصلة كشفت ان المشكلة وقعت اولا في السوق العربية، وعلمت بها الشركة المصنعة لكنها لم تبال لأنها سوق صغيرة وبعيدة. مع هذا اتهم نواب الكونجرس الذين حققوا في القضية ادارة الشركة بانها تعمدت عدم تصحيح الخطأ ولم تسحب اطاراتها من الاسواق العربية فوقع الضرر تباعا على السائقين الاميركيين، فاعترفت بذنبها واقالت رئيسها.

مسؤولية كبيرة حماية ملايين الآكلين والشاربين واللابسين، وعملية صعبة مراقبة المأكولات الفاسدة والدهانات الخطيرة والادوية المنتهية صلاحياتها حيث تباع كفضلات من السوق الصناعية لتجار أسواق العالم الثالث الذين يراعون فقط زيادة هامش الربح. مع اتساع سوق الاستهلاك في دولنا التي لا تملك وسائل كبيرة جدا لمراقبة المصنعات فان السبيل الأول هو زيادة وسائل الرصد بتحري ما يذاع وينشر في العالم الصناعي عن اخطاء واخطار المصنعات والتعامل معها بنفس السرعة التي رأيناها في قضية زيت الزيتون الاسباني.