وبدأ حساب المائة يوم

TT

ابدأوا عدّ الأيام، فمن تقاليد التحليل السياسي الحكم على أي رئيس جديد ان يبدأ فقط بعد مائة يوم من رئاسته وليس فور تسلمه السلطة. ولنكن كرماء جدا، بعيدا عن التقاليد، ولنصبر على الرئيس الاميركي الجديد باراك اوباما عاما كاملا حتى يتعاطى شأن المنطقة، وتحديدا قضية الصراع العربي الاسرائيلي.

لكننا لا نستطيع ان ننتظر يوما واحدا لنتحدث عن انطباعاتنا حول ما قد يحدث. وفي نظري القليل سيحدث رغم ان اوباما اختار خيرة السياسيين الاميركيين الذين يعرفون شأن منطقتنا، فاختارهم إما مبعوثين او مستشارين او موظفين، كما أن كبار مسؤولي الدولة من حوله مثل نائب الرئيس جوزيف بايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون يعرفون دقائق المنطقة أكثر من أهلها، هؤلاء ليسوا فرقة بوش الذين جاءوا معه من المزرعة.

وكيف لي أن اقلق رغم توفر كل عناصر النجاح، رئيس مثل اوباما له شعبية كبيرة في اميركا والعالم، تسانده كتيبة من الوزراء والخبراء، الى جانب أن اوباما تعهد ألا يرتكب أخطاء بوش وانه سيتعظ من عثراته؟

السبب في نظري أن المشكلة هنا وليست عبر المحيط، فالتاريخ شاهد على كثرة الفرص الضائعة، ولا نرى أي مؤشر على تبدل العقلية العربية. فمنذ الستينيات تفكير النظام العربي نفسه لم يتبدل، فهو مسكون بالشك والخوف والنزاعات الاقليمية والعجز عن اتخاذ قرارات مصيرية. ما الذي تغير منذ عام 1967 منذ زمن ما قبل الهزيمة وحتى اليوم؟ عمليا لا شيء، باستثناء مرحلة الرئيس المصري الراحل انور السادات الذي خاض حربا وسلاما وغيّر التاريخ لمصلحة بلاده. لولاه لبقيت مصر الى اليوم مثل سورية وفلسطين ولبنان، محتلة أراضيها ومعطلة حركتها.

سيُمضي اوباما عاماً يرسل مبعوثيه تائهين بين العواصم العربية، ولن يكتشف الحقيقة إلا بعد فترة من العام الثاني. الكثير من الوعود والقليل من الجدية السياسية، حتى يمل وينصرف الى منطقة أخرى في العالم. هذا ما حدث للرؤساء منذ عهد كينيدي، فجونسون، ونيكسون، وفورد، وكارتر، وريغان، وبوش الاب فكلينتون، ثم بوش الابن. بل بدأت من ايام الرئيس ايزنهاو في الخمسينيات عندما قدم مشروعا سياسيا لحل قضية اللاجئين والمياه والاراضي والى بوش الابن الذي اعلن اعترافه بدولة فلسطينية مستقلة.

أما اسرائيل فكانت المستفيد الدائم من الحالة العربية دون ان تجتهد كثيرا، فالعرب يخدمونها ببلادتهم وتناحرهم وأكاذيبهم. وهي تعرف ان الوضع القائم في صفها. فالعرب اليوم مثقلون بعلاقتهم مع ايران التي تقلق الاوروبيين اكثر من الاميركيين.. ومثقلون بسمعة الارهاب التي افقدتهم كل تعاطف كان موجودا لهم في العالم.. ومثقلون بنزاعات بينهم اسوأ من اي وقت مضى.

مع هذا فإننا أمام رئيس جديد، اوباما يظهر من سيرته ولغته ونشاطه المبكر كرئيسٍ صالح، مستعدٍ لأن ينجز عملا عظيما لمنطقتنا، لكنه سيفشل ما لم نُعِنه نحن كعرب، ويستحق ان نمنحه الفرصة، لانها فرصتنا.

[email protected]