جرائم الحرب في غزة.. التبعات والنتائج

TT

شهد العالم في الأسابيع الأخيرة أبشع الجرائم التي عرفها القرن الحاضر، ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وقد نفذت بضوء أخضر من الغرب، وصمت بعض الدول العربية، وأسفرت عن سقوط آلاف الأشخاص من المدنيين العزل، نصفهم من الأطفال والنساء، وحولت غزة الإسلامية العربية إلى أراض محروقة، أمام مرأى ومسمع الجميع.

واستخدم الكيان الصهيوني في عدوانه هذا، الكثير من أنواع الأسلحة المحرمة دوليا، بما فيها الأسلحة الكيماوية والفسفورية واليورانيوم المنضب في غزة، وانتهك بروتوكول جنيف لعام 1925، والمواثيق الدولية التي تحظر استخدام هذه الأسلحة، مما أظهر طبيعة هذا الكيان الإرهابي الذي أخذ الضوء الأخضر لينتهك كل القوانين الإنسانية والحقوقية السياسية.

وفي ظل هذه المجازر البشعة، حاول الإسرائيليون في داخل الأراضي المحتلة، تبرير جرائمهم وزعم حاخاماتهم في رسائل إلى قادة الكيان الصهيوني، أنه، طبقا لما ورد في التوراة، يتحمل جميع سكان غزة من النساء والأطفال، المسؤولية، لأنهم لم يفعلوا شيئا لوقف إطلاق الصواريخ! محرضين على مواصلة العدوان على غزة، معتبرين أن ذبح المواطنين الفلسطينيين الأبرياء أمر شرعي! إن الإبادة التي وقعت في غزة، كانت نموذجا لاختبار صراع الحضارات، وقد كشفت عن الازدواجية في المعايير الدولية الموجودة في العالم، أكثر من قبل.

المجازر البشعة غير المسبوقة التي شهدها العالم في غزة، من خلال قتل النساء والأطفال في الشوارع والبيوت، بطائرات إف 16 الأميركية، واستخدام الأسلحة غير التقليدية، أظهر أن كيان الاحتلال يعاني من أزمة مزمنة، وضعف شديد في الداخل، وأيضا أن هذا الكيان اللامشروع، هو العامل الأساسي للحروب والأزمات، وزعزعة الاستقرار في المنطقة، وأنه ما انفك يحاول افتعال أزمات أخرى في المستقبل. ومع الأسف، أظهرت أوروبا للجميع، في هذا الاختبار، ضعفها، من خلال صمتها واتخاذها مواقف متناقضة.

وفي المقابل شهد العالم وجود انقسام عربي أكثر من أي وقت مضى، حيث حاولت بعض الأنظمة الرسمية العربية إفشال الجهود الرامية إلى وقف المجازر، بهدف القضاء على المقاومة.

من جهة أخرى، أدت هذه المعركة غير العادلة، وغير المتكافئة، إلى تعزيز الثقة بالنفس، بين الفلسطينيين، وجعلهم يعرفون مكانتهم ويميزون أيضا بين أصدقاء وأعداء المبادئ الوطنية الفلسطينية الثابتة. وأظهرت هذه الحرب غير المتكافئة، أيضا، عجز منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي يعتبر نفسه مسؤولا عن السلام والأمن الدوليين، في اتخاذ مواقف مسبقة، مؤثرة وعاجلة، فهو لم يتمكن حتى من الحفاظ على مراكزه وأفراده من العدوان الإسرائيلي. وأصبحت هذه المنظمة الواسعة والقديمة، عاجزة عن عمل أي شيء أمام إبادة النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء الفلسطينيين في غزة، وتحول إلى أداة لإعطاء فرصة أكثر لكيان الاحتلال، لمواصلة عدوانه. يجب أن نتذكر أنه لا يوجد أي ارتباط بين القرار 1860 وتوقف العدوان على غزة، حيث لم تعترف إسرائيل قط بقرارات مجلس الأمن.

وشهد العالم حادثا استثنائيا بعد بدء هذا العدوان، حيث وقفت الشعوب في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا وأميركا وإفريقيا، بعد بدء هذه المجازر، وبغض النظر عن الدين والطائفة والتجاذبات السياسية، وقفت صفا واحدا، في إدانة جرائم كيان الاحتلال، وطالبت بوقف هذه المجازر، وقامت أيضا بتحدي مواقف حكوماتها، وأيضا الأنظمة الرسمية الدولية .

ومني كيان الاحتلال، في المواقف الإنسانية والحقوقية والروحية والعسكرية، مني بهزيمة نكراء، أمام ذكاء واتحاد أفكار الشعوب كافة، ومقاومة الفلسطينيين، وتراجع مؤقتا. وبعد هزيمة إسرائيل في 2006 في لبنان، وعدم انتصارها في 2009 في غزة، تكشف وتبين، بشكل واضح، مظهر الشرق الأوسط الجديد وحقيقته. وأدى الرأي العام العالمي حول مجازر كيان الاحتلال في غزة، إلى إيجاد جبهتين، لأول مرة، في العالم، فقد وقفت كل الشعوب الحرة في جانب منهما، وفي الجانب الآخر وقفت الأنظمة الرسمية المتخاذلة والمتواطئة التي تحمي المعتدي، في هذه الواقعة، حيث تحول الضمير الإنساني إلى أهم مقياس للحدود والمعالم، لتوضيح هذه المعركة الحتمية ضد الظلم والإبادة والجريمة. وسيشهد العالم في المستقبل، أكثر مما مضى، أن آثار هاتين الجبهتين ستمتد إلى المجتمعات البشرية كافة، خصوصا في الشرق الأوسط، وستترك تأثيرات عميقة في الميادين السياسية. عدم الالتفات إلى تبعات انتصار المقاومة الفلسطينية، يتسبب، يقينا، في خسائر كبيرة لدول الشرق الأوسط. فعلى الأنظمة العربية والإسلامية الرسمية، أن تغتنم الفرصة، وتتخذ موقفا تاريخيا، لأن طغيان الصهاينة لم ينته حتى الآن.

*سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لندن