محاكمات التعذيب

TT

هل يجب أن يخضع مسؤولو إدارة بوش للمحاكمة، لارتكابهم جرائم مثل السماح بالتعذيب؟

بالتعبير عن نفسي، أجدني أشعر بالارتياح عندما تغادر تلك الزمرة البيت الأبيض، لتذهب معها سياساتها ـ الخاصة بالتعذيب والاعتقال غير المحدد والتنصت على المكالمات من دون توافر إخطار والإفراط في الاستخدام القوة.

بيد أن الاقتراب الوشيك لإدارة باراك أوباما، جدد المطالب بإجراء تحقيق جنائي وملاحقة قضائية.

قام ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق، بصب الزيت على النار خلال المقابلة التي أجرتها معه قناة «إيه.بي.سي» والتي بدا فيها غير نادم على استخدام أسلوب الإيهام بالغرق مع خالد شيخ محمد وخاصة عندما تحدث عن تورطه هو شخصيا في ذلك. وفي غضون ذلك، أصدرت لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ تقريرها الذي خلص إلى أن قرار دونالد رامسفيلد، عندما كان وزيرا للدفاع، الذي صرح فيه باستخدام «أساليب الاستجواب العنيفة»، «كانت سببا مباشرا في الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون» في غوانتانامو. وكتب غيرولد نادلر العضو الديمقراطي في مجلس النواب عن نيويورك إلى المدعي العام الأميركي مايكل موكاسي يطالبه فيه بمدعي عام استثنائي (أتمنى له النجاح في ذلك)، وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» عن التقرير إنه «أدلة قوية لتوجيه تهم جنائية ضد رامسفيلد والمستشار القانوني لوزارة الدفاع وليام هاينز، بل وربما حتى ضد ألبرتو غونزاليس ومساعد تشيني ديفيد أدينغتون.

وقد تساءل بعض القرّاء، كيف يمكن منع التجاوزات القانونية في المستقبل في الوقت الذي مرت فيه الأخطاء السابقة من دون عقاب؟

أولا، لا تعد المحاكمة الجنائية الآلية الوحيدة أو بالضرورة الأكثر فاعلية لمنع تكرار تلك الانتهاكات. وحيث إن المسؤولين الحكوميين يفكرون كثيرا في العقوبات المتحملة على الأفعال التي قامون بها، نجد أنه يحدوهم القلق إزاء التحقيقات الداخلية أو الثناء عليهم أمام لجان الكونغرس. ويتطلب رفع دعوى جنائية وإدانة شخص ما دليل رفيع المستوى على أن الشخص المدعى عليه ارتكب تصرفات خطأ عن قصد، الأمر الذي يجعل العقوبات الأخرى أمرا أكثر صعوبة. ثانيا: لم يمثل التهديد بعقوبات جنائية رادعا لمسؤولي إدارة بوش ففي كتابه «رئاسة الرعب» تناول جاك غولدسميث، المسؤول الأسبق في وزارة العدل الأميركية، المعارك القانونية داخل الإدارة حول التعذيب والتنصت، وهو كتاب متخم بتقارير حول كيفية مضي المسؤولين في تنفيذ تلك العمليات، على الرغم من مخاوفهم الكبيرة بشأن المساءلة القانونية. ويقول غولدسميث «خلال العامين الذين قضيتهما بالحكومة، شاهدت كبار المسؤولين والبيروقراطيين في البيت الأبيض، قلقين بشكل كبير من أن يقوم المحققون الذين يعملون على التحقيق في الجرائم التي ارتكبت من قبل في بيئات سياسية مختلفة بتوجيه تهم جنائية ضدهم في فورة المعركة القضائية».

ثالثًا: لا يعد العقاب الوسيلة الوحيدة لمنع الأخطاء، فإذا ما ضُبط شخص ما وهو يقتحم منزلك، فسوف توجه اتهامات ضده، لكنك قد ترغب في تركيب أجهزة إنذار أو شراء أقفال أكثر متانة. والمراقبة المسؤولة من الكونغرس، والتي تعد أداة ضرورية لوقف تجاوزات السلطة التنفيذية، كانت مفقودة في فترات كبيرة من إدارة بوش. رابعا: هناك ثمن للسعي وراء توجيه اتهامات جنائية، فالإيهام بالغرق، على سبيل المثال، تم استخدامه بعد موافقة محامين خلصوا إلى أنه بالرغم من كونه نهجا خاطئا، فإنه لا يرقى إلى مستوى التعذيب، وإذا لم يتمكن مسؤولو الحكومة من الاعتماد على نصيحة قانونية آمنة، سيتسمون بالجبن إلى حد كبير. خامسا: بذل جهد حكومي لكشف ومعاقبة التجاوزات التي وقعت في الماضي سوف تستنزف رأس المال السياسي وطاقة الإدارة الجديدة. ومن الأفضل استغلال وقت الإدارة الجديدة في توضيح كيف يمكن إغلاق غوانتانامو وطريقة التعامل مع السجناء الباقيين.

أنا لا أعارض المحاكمة الجنائية لمسؤولي إدارة بوش، ولكني أقول ببساطة إن العوائق كبيرة جدًا. ويجب محاكمة عمليات الكذب على المحققين وتغطية الأنشطة المثيرة للتساؤلات، لأن مثل ذلك السلوك يضعف قدرات الحكومة الرقابية. ستكون الدعاوى القضائية مبررة، إذا كانت هناك أدلة، كما أوضح أوباما، على «جرائم حقيقية وليست سياسات سيئة.. وأن هناك مسؤولين بارزين قاموا بخرق القوانين القائمة عن قصد».

هل كانت تلك سياسات سيئة؟ ما من شك في ذلك. وهل انتهكوا القانون عن عمد؟ إنني متشككة في ذلك، وأشك أيضا في أن تفوق أهمية الفائدة الرمزية وراء أي من هذه المحاكمات التكلفة الحتمية.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)