نحو دعم التكامل الاقتصادي العربي

TT

تشهد الساحة الاقتصادية العالمية العديد من المتغيرات التي تركت آثارا مهمة على العلاقات الاقتصادية الدولية، ولعل من أهم هذه المتغيرات الاتجاه نحو الإقليمية والعالمية، وفي هذا الصدد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين اتجاهات قوية نحو تشكيل تجمعات اقتصادية إقليمية وعالمية من مقوماتها الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية المشتركة، وقد حققت بعض هذه التجمعات الاقتصادية خطوات كبيرة من التقدم تجاه تحقيق أقصى صور التكامل الاقتصادي، ومن أهمها الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر النموذج الأمثل للتكامل الاقتصادي.

وتأتي القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية متزامنة مع الأزمة المالية العالمية التي يشهدها العالم الآن، وهو ما يتطلب منا مزيدا من الجهد والإسراع بوضع القواعد والنظم الكفيلة بتنمية وتكامل اقتصاديات الدول العربية، كما أن التكامل الاقتصادي الذي ننشده له دور كبير في دعم التجمعات والتحالفات الإقليمية (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) والدوليــة (الاتحاد الأوروبي، المجموعة الآسيوية) وأيضا الشراكة مع هذه التجمعات من خلال اتفاقيات التجارة الحرة معها ولما فيه صالح وخير أمتنا العربية.

ومن هذا المنطلق، فإننا نؤكد على أهمية هذه القمة، حتى نتمكن من اللحاق بقطار التطورات الاقتصادية التي سبقتنا إليها العديد من التجمعات الاقتصادية بمختلف قطاعاتها، لكن أن نبدأ متأخرين خير من أن لا نبدأ، خاصة أن أمتنا العربية تمتلك كل المقومات لبناء تكامل اقتصادي قوي وكبير، لتنوع ثرواتها الطبيعية من بترول وبحار وأنهار وأراض زراعية وموقع جغرافي يتوسط العالم ويقع في أهم مناطق العالم إستراتيجية ممتدا من المحيط الأطلسي غربا حتى الخليج العربي شرقا ومن بحر العرب جنوبا حتى تركيا والبحر الأبيض المتوسط شمالا، ومساحته حوالي 13.5 مليون كيلو متر مربع، وعدد سكانه أكثر من 300 مليون نسمة، والأهم من ذلك طاقة بشرية كبيرة مؤهلة ومدربة قادرة على إنجاح هذا التكامل. ونحن على قناعة تامة بأن التكامل الاقتصادي هو المدخل الرئيسي للتكامل السياسي، الذي يؤدي في النهاية إلى وحدة الصف العربي في مواجهة كافة التحديات، وعلى الأخص التحديات الاقتصادية والسياسية.

وحتى يكون هناك تكامل اقتصادي فعال وقوي، لا بد أن نبدأ بوضع الإطار العام للبيانات المالية الحكومية لتشمل كافة أوجه الإيرادات والمصروفات، ولتعبر تعبيرا حقيقيا عن المركز المالي للدولة، حتى تكون النواة الأساسية لتوفر البيانات والإحصائيات، لتسهل عملية اتخاذ القرار منطلقين بذلك من سؤال: أين نحن مما يجري على الساحة العالمية الاقتصادية؟

أولا: أسلوب عرض البيانات المالية ومكوناتها، وأوجه القصور فيها، إذ تعتبر قضية البيانات المالية ومدى توفرها لإعداد المؤشرات الاقتصادية المتعارف عليها من أهم التحديات التي تواجه اقتصاديات الدول العربية، بل تتعداها وربما تكون المعضلة الرئيسية التي تعيق التكامل الاقتصادي العربي الإقليمي أو الدولي، وذلك لافتقارها للحد الأدنى من البيانات المالية التي تساعد متخذي القرار عن التكامل العربي المنشود، من واقع الاختلاف في طبيعة البيانات المالية ومكوناتها، ومدى شمولها لكافة أوجه الإنفاق الحكومي المؤثر بشكل مباشر على الحسابات القومية للدولة، وكذلك على البيانات الإحصائية ذات العلاقة بدخل الفرد، حيث يلاحظ مدى التباين الكبير والواضح بين الدول العربية، وذلك وفقا للتباين في أسلوب عرض البيانات المالية باستثمار الفوائض المالية (عوائد استثمار ـ الفوائض المالية)، والتباين في أسلوب عرض البيانات المالية، أسلوب إعداد وعرض الميزانية العامة للدولة، التباين في البيانات الخاصة بالإنفاق العسكري، وأخيرا التباين في البيانات الخاصة بالإنفاق الرأسمالي.

ثانيا: دور البيانات المالية في اتخاذ القرار الاقتصادي، إذ يعتمد القرار الاقتصادي السليم على مجموعة من المعلومات والبيانات الإحصائية المتاحة التي تسهل لمتخذي القرار الاقتصادي تحليل الوضع القائم، سواء ما يتعلق بالقطاع العام (حكومي) أو القطاع الخاص وذلك في إطار السياسات المالية، التي من شأنها تنشيط وتنمية المشاريع الإنشائية والرأسمالية، فبعد معالجة أوجه التباين والخلاف في أسلوب عرض البيانات المالية يكون من الضروري وضع البيانات المالية المنظمة، واللازمة لكل دولة من دولنا العربية، للمساهمة في اتخاذ القرار الاقتصادي المناسب، والمساعدة على تحقيق التعاون الاقتصادي المنشود.

ثالثا: التجارب الدولية في عرض البيانات المالية، وهي تجربة الاتحاد الأوروبي، (إطار السياسة المالية في الاتحاد الأوربي، التكوين والأداء الراشد، مايو 2005 / الكويت)، وذلك من خلال تقوية مراقبة أوضاع الميزانية ومراقبة وتنسيق السياسات الاقتصادية، ووضع نظام مراقبة وإنذار لمنع تزايد العجز الحكومي وتجاوزه للحد المقبول، كما ساهم إطار الاتحاد الأوروبي للسياسة المالية في استقرار الاقتصاد الكلي، والتشغيل السلس للاتحاد الأوروبي الاقتصادي والمالي، إلى جانب تجربة تنفيذ قواعد الميزانية في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، في مارس 2005 تمت المصادقة على تقرير المجلس الاقتصادي المالي على مستوى رؤساء الدول والحكومات من قبل المجلس الأوروبي الذي بين نقاط قوة قواعد الاتفاقية للتنسيق الاقتصادي المتعلق بالبيانات المالية، وتحتوى هذه الاتفاقية على توصيات لتحسين السيطرة المالية والاقتصادية في الاتحاد الأوروبي على المستوى الوطني.

وتجربة البنك الدولي (إسهامات البنك الدولي في تحسين الحسابات المالية، مايو 2005 / الكويت، ديفيد سيول)، من خلال اهتمام البنك الدولي بتطوير القدرة المحاسبية المالية في الدول البرلمانية، وتأكيد البنك الدولي على مفهوم ما وراء عمل الميزانية حيث يعتبر هذا المفهوم أن الميزانيات التقليدية تعتبر عائقا أمام عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية، وبين أن هناك ثلاثة متطلبات يجب توافرها للأداء الجيد للبيانات المالية، وهي: التحكم في الموارد المالية، التخطيط المستقبلي لوضع المصادر وأوجه إنفاقها، الإدارة الجيدة والفعالة للبرامج. كما يجب توافر نظام الإدارة المالي الجيد والمنظم لضمان توافر هذه المتطلبات الثلاثة للوصول إلى النتائج الجيدة المتعلقة بالبيانات المالية، وتساهم الإدارة الجيدة بشكل كبير في تحقيق النتائج المرجوة والتخطيط وفقا لأولويات كل حكومة، كما تساعد كل هذه الأمور علي تنفيذ أهداف الحكومة وإدارة استخدام الموارد التي تساهم في توفير الخدمات بشكل جيد .

ومجلس المنظمة الدولية للمحاسبة I F A C، (برنامج المقاييس المحاسبية للقطاع العام - الوضع الراهن والتطورات المستقبلية، مايو 2005/ الكويت، رونلد ج بونيتس)، وذلك من خلال معالجة التقارير المالية المحددة للقطاع العام، والتشريعات التي تحكم مجلس المقاييس المحاسبية للقطاع العام الدولي من النماذج الإصلاحية، حيث تم إصدار 21 أساس استحقاق خاصا بالمقاييس المحاسبية للقطاع العام الدولي، ووضع أساس نقدي شامل للمقاييس المحاسبية لذات القطاع، كما أكد مجلس مقاييس محاسبة القطاع العام الدولي والكثير من دوائره الحاجة إلى تطوير إطار عمل مفاهيم خاص بالتقارير المالية من مؤسسات القطاع العام بغية توفير البيانات المالية دعما لاتخاذ القرار، كما أصدر مجلس مقاييس المحاسبة الدولية مقاييس التقارير المالية الدولية لتطبيقها من قبل الكيانات الهادفة للربح، سواء بالقطاع العام أو الخاص بهدف تقوية الشفافية المالية.

وعليه، فإنه استنادا لما سبق نرى أن تتبنى القمة تكليف الأمانة العامة الاقتصادية التابعة لجامعة الدول العربية دراسة أبعاد توحيد وتقديم وإعداد البيانات المالية للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وأثر هذه البيانات على التكامل الاقتصادي، التي من شأنها أن تكون مدخلا أساسيا للتكامل السياسي، كما سبق أن بينا، حيث إن كل الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين جميع الدول أعضاء الجامعة العربية تعتمد على مثل هذه البيانات، وكلما كانت هذه البيانات معدة وفق إطار عام موحد يحدد المبادئ العامة لعرض هذه البيانات تكون مفيدة وفعالة لعملية التكامل الاقتصادي المنشود، حتى نتمكن من اللحاق بالمجموعات الدولية التي سبقتنا قبل فوات الأوان.

* نائب كويتي وعضو لجنة الميزانيات في مجلس الأمة