أميركا من الخوف إلى الأمل

TT

«الأمل»، تلك هي الكلمة الأكثر ترددا على ألسنة المواطنين في أميركا هذه الأيام، كما كانت تلك هي الكلمة الرئيسة خلال الاحتفالات الضخمة التي أقيمت يوم الثلاثاء إيذانا بتنصيب باراك أوباما كرئيس للولايات المتحدة، كما كانت، أيضا، المادة التي تناولها التسونامي الإعلامي الذي سبق أن صاحب هذا الحدث الكبير، وهي أيضا الكلمة التي يسمعها في أحيان كثيرة زوار أميركا من الأميركيين العاديين. المدهش أن الأميركيين تعلقوا بالأمل في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة ما يشبه انهيارا اقتصاديا كبيرا، وفي الوقت الذي لا تزال فيه دولتهم تخوض حربا عالمية ضد أعداء لم يعد لهم الانتشار الذي كان من قبل.

وعلى النقيض من ذلك، كانت كلمة «الخوف» هي الأكثر ترددا على ألسنة الأميركيين في خلال الأعوام الستة الماضية، وكم كان ذلك مثارا للدهشة. فالاقتصاد الأميركي كان يتقدم باتجاه أكبر انتعاشة عايشها منذ الأربعينيات، في الوقت الذي كانت فيه الآلة العسكرية الأميركية تحقق انتصارات في العراق وفي أفغانستان.

وقد أظهرت خبرة السنوات الست الماضية قدرات الخوف كعامل محرك، فقد وحد الخوف الأميركيين في عام 2001 فيما رأوه حربا للدفاع عن النفس في أفغانستان. وفي عام 2003 قدم لهم الوحدة الكافية لجعل الحرب ممكنة في العراق. غير أنه في عام 2005 بات واضحا أن الخوف، كعامل موحد، كان عرضة لقانون انتهاء التأثير. ولذا فإن أوباما يدين بفوزه المفاجئ في الانتخابات إلى رفض فكرة الخوف من جانب غالبية الأميركيين.

كان دخول أوباما إلى البيت الأبيض يوم الثلاثاء إيذانا بتوقف ساعة الخوف عن العمل، وبدأت ساعة الأمل تدق. وقد يأتي اليوم الذي يتعرض فيه الأمل لقوانين انتهاء التأثير، مثله في ذلك مثل توأمه الخوف، فالأمل يمكن أن يولّد إما طاقة أو خداعا.

وتلك هي النتيجة التي ستوفر على وجه الدقة الاختبار الحقيقي لرئاسة أوباما، فمن الممكن أن يصبح أوباما قائدا ورمزا لجهد قومي جديد أو قد يكون مضللا وهو ما يمكن أن يؤدي إلى خيبة أمل كبيرة. ومع بدء أوباما لفترة رئاسته لم تظهر أي دلائل بشأن المنحى الذي ستأخذه. فقد كان يتحدث في بعض الأحيان مثل رومانسي وَلِه يعتقد أن المشكلات يمكن أن تحل بسهولة.

ويُعرّف الفرنسيون ذلك النوع من السياسة بأنه سياسة الإصرار على الحلم: إذا ما أردت شيئا فعليك أن تنجزه. فعندما أشار في خطابه، خلال الحملة الرئاسية إلى أن فترة رئاسته «ستوقف المحيطات عن التراجع» كان أوباما هو التجسيد المثالي لهذه الفلسفة، وكان هو ذات الشخص أيضا عندما ادعي أن بإمكانه حل أعقد المشكلات الدولية عبر التحدث إلى خصوم أميركا.

لقد ساعد هؤلاء المخدوعون بسياسة أوباما المفرطة في الثقة في إحداث تضخيم كبير جدا للتوقعات التي يمكن أن تضر بفترة رئاسته.

على الجانب الآخر، تحدث أوباما في مناسبات أخرى كحكيم واقعي، وحذر من أن قد يواجه الشعب الأميركي أياما صعبة، ولذا فإن كل وعوده التي قدمها يجب تأجيلها في الفترة الراهنة. وقد أظهر أوباما دلائل على أنه يدرك أن عملة الأمل يمكن أن تفقد قيمتها كعملة الخوف، إن لم يكن أسرع.

هذا التذبذب الواضح بين الإصرار والواقعية اتضح بصورة كبيرة في الإدارة التي شكلها أوباما. فقد حاول أن يمزج بين الأمل والخوف عبر تشكيل فريق يتألف من غالبية الشخصيات التي تعاونت مع إدارة بيل كلينتون وجورج بوش. وبحسب أغلب المصادر فإن الشخصية الرئيسة في الإدارة الجديدة التي ستكون الأكثر ولاء لأوباما هي سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة الجديدة إلى الأمم المتحدة.

ربما يكون أوباما قد شكل إدارته بعدد من النقاط التكتيكية في ذهنه. فربما يكون قد رغب في توحيد الحزب الديمقراطي الذي حتى بعد أن فاز بترشيحه ظل مهيمنا عليه من قبل آل كلينتون، وربما يكون قد رغب في شق الصف الجمهوري عبر التودد إلى «الواقعيين» المرتبطين بإدارة الرئيس بوش الأول. وأخيرا قد يرغب أوباما في استغلال هذا الفريق للقيام بالعمل الجاد ليتلقى اللوم في النهاية، وهو ما سيمكن أوباما من تدعيم سلطته في الحكم وتشكيل إدارة من الموالين له والتحرك نحو بدء البرنامج الأصلي.

وإذا كان ذلك التحليل صحيحا، فإن العامين الأولين من فترة رئاسته سيكونان امتدادا لفترة عهدي كلينتون ـ بوش. وستضطر كل الإصلاحات الجذرية الموعودة إلى الانتظار حتى عام 2011 على الأقل، وهو ذلك الوقت الذي سيكون فيه أوباما في طريقه للإعداد لإعادة انتخابه مرة أخرى.

هناك دائما إمكانية لوقوع أحداث غير متوقعة في أية لحظة يمكن أن تعيد ترتيب الأجندة كما بعد أشهر قلائل من تولي الرئيس بوش في عام 2001.

يخضع أوباما الآن لهجوم عنيف من يسار حزبه بشأن «الخوف من التغيير» المفترض، فقد نعتته إحدى المجلات اليسارية بـ «بوش الثالث» مشيرة إلى حقيقة أن أوباما تبنى خطة إنقاذ بوش المالية وتنصل من وعده بالانسحاب السريع من العراق. كما تعرض أوباما لهجوم من إحدى المجلات اليمينية البارزة لعدم جرأته على تحقيق برنامجه.

يبدو أن أوباما قرر تجاهل اليسار، في الفترة الحالية على الأقل، وقضى الكثير من الوقت الذي سبق ولايته في التقرب إلى المفكرين والكتاب المحافظين، وهو ما يدعم الافتراض بأن إدارته لا تزال تواجه تهديدا من اليمين أكثر منه من اليسار.

وبمرور الوقت قد يكون فاقدو الأمل في خطورة فاقدي الخوف.