قمة الكويت ومعضلات الوضع العربي

TT

لخص الملك عبد الله بن عبد العزيز، في خطابه المتميز أمام قمة الكويت، الإشكالات الجوهرية الثلاثة التي يعاني منها الوضع العربي الراهن، وهي: الانشقاق المريع الذي ينخر الجسم العربي، وإخفاق المشروع التفاوضي لتسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، وتصدع الصف الفلسطيني. فبخصوص الإشكال الأول كانت مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز الشجاعة إلى إعلان نهاية التمزق العربي، خطوة رمزية كثيفة الدلالة لإبراز أن الانشقاق العربي وصل إلى مرحلة الخطورة القصوى، التي تجاوزت كل المستويات السابقة. فالمعروف أن الخلافات العربية الداخلية كانت في الماضي متمحورة حول خطي تمايز: خط آيديولوجي يفصل بين المجموعة المدعوة بالمحافظة والأخرى المدعوة بالتقدمية، وخط استراتيجي يتعلق بالمواقف والتحالفات الدولية. ولم يكن الموضوع الفلسطيني في الحالتين مصدر خلاف جوهري، بل غالبا ما يكون نقطة التوحيد والإجماع الوحيدة المتاحة، كما أثبتت قمة الخرطوم المنعقدة بعد حرب 1967. وحتى عندما وقعت مصر اتفاقيات كامب ديفيد الانفرادية، انحازت كتلة الدول المعتدلة إلى الموقف المقاطع لمصر، والرافض لمعادلة السلام مع إسرائيل.

صحيح أن احتلال الكويت والحرب التي تلته غيرا خارطة المحاور العربية، بحيث كانت سورية في صف التحالف الذي قاد حرب تحرير الكويت، في الوقت الذي كان موقف الأردن أقرب إلى العراق، إلا أن الرهان على المحور المركزي الثلاثي المتولد عن تداعيات الحرب (السعودية - مصر - سورية)، لإعادة بناء النظام العربي وتدعيم المسار التفاوضي الشرق أوسطي، لم يصمد طويلا أمام ثلاث أزمات جديدة عصفت بالمنطقة، هي: الأزمة اللبنانية الداخلية التي تفاقمت بعد استشهاد رئيس الحكومة رفيق الحريري، والأزمة النووية الإيرانية، والصراع الفلسطيني الداخلي.

وهكذا بدا من الجلي اليوم أن كل الآليات الاحتياطية والتنسيقية، التي كانت تضمن الحد الأدنى من التوافق العربي، قد انهارت أو غدت مشلولة، سواء تعلق الأمر بالتجمعات الإقليمية التي لم يبق منها سوى مجلس التعاون الخليجي (بنجاحاته الاقتصادية التي تتجاوز مكاسبه السياسية)، أو بمؤسسة القمة نفسها.

أما الموضوع الثاني الذي يخص الصراع العربي - الإسرائيلي، فلقد كان موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز صريحا في القول إن المبادرة العربية للسلام - التي كان هو أول من طرحها - لن تبقى معروضة إلى الأبد إن لم تلق التجاوب المطلوب. وتتعين الإشارة هنا إلى أن المبادرة المذكورة التي تبنتها قمة بيروت عام 2002، وأعادت بلورتها قمة الرياض 2007، صاغت الإجماع العربي في الملف الشرق أوسطي إثر تعثر عملية التسوية المنبثقة عن مسار مدريد - أوسلو، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ولئن كانت تستند إلى نفس منطق المسلك التفاوضي (الأرض مقابل السلام)، إلا أنها تعترف ضمنيا بفشل المسار الذي عجز عن حسم الملفات النهائية الحيوية، وتستعيد زمام المبادرة دوليا لتقديم خيار بديل، بحسب موازين الشرعية القانونية العالمية.

أما الملف الثالث فهو الأكثر تعقيدا، لما له من تأثير مباشر على موضوعي النظام العربي والصراع العربي - الإسرائيلي. فالفتنة الأهلية الفلسطينية هي في آن واحد سبب رئيسي من أسباب الانقسام العربي، وعائق جوهري أمام أي مبادرة عربية لتحريك الملف الفلسطيني، أو إدارة الصراع القائم مع إسرائيل. فغني عن البيان أن موضوع التمثيل الفلسطيني أصبح مطروحا عربيا لأول مرة بعد قمة الرباط 1974، التي كرست منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني. ولا عبرة بتأكيد كل الأطراف على الالتزام بهذا الموقف، فمن الجلي أن حكومة حماس في غزة أصبحت طرفا شريكا لدى البعض، كما أن موقع منظمة التحرير اهتز بقوة داخليا وإقليميا، بل ظهرت مؤشرات على استعداد بعض الجهات الدولية للحوار مع حركة حماس بصفتها قوة رئيسية في الشارع الفلسطيني. ولعل التحدي الأكبر الذي يواجه منظمة التحرير هو احتمال تراجعها، بل هزيمتها، في أي انتخابات رئاسية وتشريعية قادمة، مما يعني تغيرا حاسما في شرعية التمثيل الفلسطيني، وفي خيارات العمل السياسي الفلسطيني واستراتيجياته، مما له التأثير الأكبر على النطاق الإقليمي أجمعه. فماذا سيكون الموقف العربي في حالة وصول حماس إلى مركز السلطة وافتكاكها شرعية التمثيل الفلسطيني، وهي الرافضة للاعتراف بإسرائيل وبمنطق التسوية السلمية معها؟ وكيف يمكن إدارة الملف دوليا في حدود خيار التعايش الأدنى، الذي طرحته حركة حماس بديلا عن مسار أوسلو؟

لا شك أن السؤال مطروح راهنا، ويجب الوعي به والتنبه له، مما يعني الشروع العاجل في ما طالب به الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان صائبا في قوله إن الصراع الداخلي الفلسطيني أقسى أثرا من العدوان الإسرائيلي نفسه على غزة.