لماذا لا يحبني بعض الناس؟

TT

ذات صباح كنت أركب (الأتوبيس) مع صديق لي، وتوقف في إحدى المحطات، وإذا بفتاة رائعة الجمال تدخل قائلة للجميع بكل براءة: صباح الخير، وفوجئت برجل ساخط ومتبرم يرد عليها بصوته الجهوري قائلا «أي خير في هذا الصباح (الزفت)!»، ولا أستبعد أن زوجته قد (نبحت) في وجهه ذلك الصباح.

وران صمت مطبق على الجميع من هول ما سمعوا، غير أنني تنفست الصعداء عندما سمعت رجلا في المقاعد الخلفية يرد عليه قائلا «الخير كل الخير في هذا الصباح، لأنها ركبت معنا»، وهو يقصد الفتاة، التي اعتراها الخجل لعدة دقائق قبل أن تجلس في الكرسي الذي هو خلفي تماما.

ويبدو أنها من شدة ارتباكها فتحت شنطتها (الجينز) الصغيرة المنمنمة التي ما زلت أذكر لونها الأزرق المكحوت، وأخرجت منها زجاجة عطر، وعندما فتحتها سقط منها غطاؤها وتدحرج حتى وصل إلى تحت قدمي، فما كان مني إلا أن أخذته وقمت من مكاني وأعطيتها إياه بكل لطف، فأخذته مني دون أن تتفوه بكلمة، ولكنني أحسست منها أنها تشكرني بحرارة، وقد لمست ذلك من تعبيرات وجهها واحمرار خديها وألق عينيها، وامتلأ جو الأتوبيس كله برائحة عطرها غير المتوقع.

وما زلت أذكر أن رائحة العطر مكثت في يدي طوال اليوم، حتى بعد أن غسلتها، ولازمتني رائحة العطر حتى في سرير نومي، فلا أنا مللت منه، ولا هو ملّ مني.

* * *

قال لي أحدهم «توفيت طفلة جيراننا الصغيرة، وكانت صديقة لطفلتنا التي ذهبت إلى هناك للتعزية. وعندما عادت، سألتها «لماذا ذهبت إلى هناك؟!»، قالت «لأعزي أم صديقتي»، وعدت أسألها «وماذا فعلت من أجل ذلك؟!»، قالت «قفزت إلى حضنها وبكيت معها».

* * *

اقرأوا معي هذه الأبيات الشعرية (الارتجالية) المترجمة لفتاة صغيرة تقول فيها:

إنني أتساءل.. لماذا لا يحبني بعض الناس؟!

رغم أنني أحب المطر والأشجار.

وأحب السحب وهي تطفو في سماء زرقاء، والطيور، والقطط، والجراء الصغيرة.

إنني أحب البحر عندما يتلألأ مثل الجواهر، وزهور الربيع، والحملان وهي تلهو.

إنني أحب رائحة أوراق الشجر المحترقة، ومذاق التفاح الأحمر الريان.

إنني أحب الثياب الجميلة، وحفلات الأعراس، والأطفال الصغار

ومع ذلك كله.. إنني أتساءل.. لماذا لا يحبني بعض الناس؟!

[email protected]