كنا دراويش راقصين!

TT

ونحن صغار، كنا نحشر أنفسنا بين صفوف الدراويش الراقصين.. بسرعة نرتدي الجلباب الأبيض والطاقية.. ونذكر الله مع الرجال.. نرقص ولا نقول إلا: الله حي.. وهناك طبلة ومزمار، أو ناي.. ومن ينشد كلاما موزونا. ولكن لا نحفظه.. ثم يشتد الرقص لدرجة أن بعض الرجال يتساقطون على الأرض.. ولكن أحدا لا يمد يده إليهم، وإنما يقولون: اتركوه.. اتركوه.. لقد وصل.. ونحن صغار كنا نزعم أننا وصلنا، وأننا سقطنا على الأرض، ورأينا صورا وعوالم أخرى من الناس، وبعضنا يجرؤ أن يقول إنه رأى مولانا.. ولم يكن مولانا هذا إلا سلطان العاشقين وسلطان العالمين.. جلال الدين الرومي.. الذي لا ندرى من هو..

وعرفت فيما بعد أن جلال الدين الرومي (1202 ـ 1273م) الذي جعل الدراويش يرقصون. إنه الشاعر العظيم والمفكر الكبير. وهو الذي نظم ديوان «المثنوي». وفى هذا الديوان كل لمحات وشطحات وتجليات الشاعر الصوفي البديع. صحيح أن ديوان «المثنوي» ليس منظما ولا منطقيا.. وإنما هو لوحات فنية جمالية خيالية خرافية متعالية..

وفى ديوان «فيه ما فيه» حكايات وروايات. ويقال إن هذا العنوان قد أخذه جلال الرومي من بيت شعر لـ (ابن عربي) أهم فلاسفة وحدة الوجود..

ولما كبرنا، كنا نلاحظ الدراويش يقولون: الله حي.. الموجود في كل الوجود.. الله حي فينا وبيننا وعلينا وحولنا.. الله حي.. وكالببغاء أقول مثلهم، وأحرص على أن أقول وأسرف في الكلام، دليلا على أنني كبرت.. وعلى أنني قد (وصلت).. فالوصول هو أن تقول، وأن تشعر، وأن تتسامى، وأن تحس بأنك فوق.. فوق ماذا؟ لا نعرف.. ولكن كنا دراويش، ولم نعرف إمامنا جلال الدين الرومي، المحيط الذي لا نعرف أغواره وأبعاده وسحبه وضبابه والرعد والبرق في شعره!