الفخر

TT

الشِّعر، مثلما يقولون، هو «ديوان العرب»، وقمّة هذا الديوان عندهم هو «الفخر»، وقد لاحظت أن الكثيرين من الشعراء قديمًا، إذا أرادوا أن يفخروا، يوجهون كلامهم إلى المرأة، ومعهم حقّ، فالمرأة - شئنا أم أبينا- هي «أيقونة» معلقة في عنق الرجل، إلى أن توصله إلى القبر. ويقول الشاعر ابن ربيعة الضبّي:

زعمت تماضر أنني إما أمت

يسدُدْ أُبَينُوهَا الأصاغر خلّتي

تَرِبَت يداك، وهل رأيت لقومه

مثلي على يسري وحين تعلّتي

رجلاً إذا ما النائبات عَشِينَهُ

أكفى لمعضلة وإنْ هي جلّتِ

ويقول عنترة العبسي مخاطبًا عبلة:

هلاّ سألتِ الخيلَ يا ابنة مالكٍ

إنْ كنت جاهلةً بما لم تعلمي

يخبرْك من شهد الوقيعة أنني

أغشى الوغى وأعفّ عند المغنمِ

ومدجَّجٍ كرِهَ الكماةُ نزاله

لا ممعنٍ هربًا ولا مستسلمِ

ويقول قيس بن عاصم:

أيا ابنة عبد الله وابنة مالكٍ

ويا ابنة ذي البُردَين والفرس الوردِ

إذا ما أصبت الزاد فالتمسي له

أَكِيلاً فإني لستُ آكله وحدي

قصيًّا كريمًا أو قريبًا فإنني

أخاف مذمّات الأحاديث من بعدي

ويقول قطريّ بن الفجاءة في ميدان المعركة لزوجته البعيدة عنه:

أقول لها وقد طارت شعاعًا

من الأبطال ويحك لن تراعي

فإنك لو سألت بقاء يومٍ

على الأجل الذي لك لن تُطاعي

فصبرًا في مجال الموت صبرًا

فما نيل الخلود بمستطاع

أما حطان بن المعلَّى، فقد وجد له عذرًا جاهزًا في عدم خوضه للمعركة عندما قال:

لولا بُنَيّاتٌ كزغْب القطا

رددن من بعض إلى بعضِ

لكان لي مضطرَبٌ واسعٌ

في الأرض ذاتِ الطول والعرض

وإنما أولادنا بيننا

أكبادُنا تمشي على الأرضِ

لو هبّت الريح على بعضهم

لامتنعت عيني من الغمض

ولكن أصدقهم، وأخبثهم، في نظري هو المنخَّل بن مسعود، وكان ينادم النعمان بن المنذر، وقد قال هذه الأبيات، ويبدو لي أنه كان سكران:

ولقد شربتُ من المدامة

... بالصغير وبالكبيرِ

فإذا انتشيتُ فإنني

ربُّ الخورنق والسدير(*)

وإذا صحوتُ فإنني

ربُّ الشويهة والبعير

(*) الخورنق: قصر النعمان بن المنذر،

والسدير: اسم نهر في ناحية الحيرة.

[email protected]