لحظات للتأمل

TT

هذه لحظات للتأمل، لا للسياسة. علقوا الفكر السياسي الذي أوصلنا إلى هنا، ثلاثة أيام، أو أربعة. واجلسوا وتأملوا، أولا في حال شعوبكم. تأملوا مليا في غزة وخففوا، رجاء، من الابتسامات. فالعين الدامعة قلب رؤوف. خففوا من هذه الابتسامات البطولية التي تعبر عن الثقة في النفس. إنها تعبر عن نفس بلا حياء. تأملوا غزة جيدا. فهي لم تذبح من أجلكم، بل من أجلها، من أجل فلسطين، من أجل مئات الأطفال الذين لم يعثر لهم على كفن، إلا من البلاستيك. كفوا عن الابتسام فوق جسومهم الطاهرة.

اجلسوا وتأملوا وفكروا في كيف نريد أن نواجه هذا العالم. في هذا العالم أطل أوباما، فنسيت الأرض كل ما حل بغزة. وقّتوا نهاية المجزرة ببداية أهم احتفال في تاريخ أميركا منذ عودة أيزنهاور من انتصار الحرب العالمية الثانية. فإذا الكون يقلب وجه الكاميرا كما فعل في جنازة ديانا. لأن هذا الكون، هذا الكون الأرنب، مشغوف بالاحتفالات الملونة، ويدير ظهره عن بحار الدماء.

اجلسوا وتأملوا. هذا العالم ينقلب. باراك أوباما سوف ينزع منكم الكثير من أدوات الندب وبث الفرقة. سوف يغادر العراق ويدخل فلسطين، ويقلَّم غباوات أميركا، ويخفض معاركها، ويقيم في الأرض مصالحات مثيرة، حتى مع السنيور شافيز.

اجلسوا وتأملوا. بعيدا عن السياسات الصغيرة التي فككت الأمة حتى اليوم. وبعيدا عن الأحلام التي لا تتغير. فكل حلم عند فريق هو كابوس عند آخر. وإن صورة هذا العالم تتغير من الداخل، من الجوهر، فحاولوا أن تغيروا في صورتكم: أي مكان لنا في هذا العالم الذي يعيد تأسيس نفسه: اقتصاده يتغير. بشرته تتغير. وجهاته تتغير. نظامه القائم برمته يتغير. إلى متى سوف تتحمل شعوبنا كل هذه الابتسامات فوق جثثها وجثث أطفالها، ونحن لا نعطيها سوى ما قدم لها الفريق أمين الحافظ ذات لحظة بطولية خارقة عندما أعلن «نساؤنا حبّالات ولادات». ولم يقل لنا ولادات ماذا؟ قطط؟ لقد محا تنصيب أوباما عن الأعين مشهد مئات الأطفال مكفنين بالبلاستيك، ينقلون على سواعد آبائهم. لكن هذه الوصمة لن تمحى من تاريخ العرب، وهذه اللعنة لن تزول عن قلب الوحش. ولو كان من حديد فقط.