حدود ضخ المحفزات الاقتصادية

TT

يتعين علينا مقاومة إغراء تصور «المحفزات الاقتصادية» القادمة على أنها ترياق عام شاف من جميع الأوجاع الاقتصادية، فهي ليست كذلك على الإطلاق. وعلى أفضل التصورات، سيمثل «ضخ المساعدات» إجراء حكومي تقليدي لتحفيز الاقتصاد. وتعتبر تلك الاستعارة المعروفة، والشائعة أمرا يستحق التفكير والاهتمام. ولجعل المضخة تعمل، فإنك تقوم أولاً بتوصيل المياه، وعلى الفور تبدأ المضخة في العمل بصورة مستقلة. وبالمثل، ستنجح المحفزات فقط إذا ما استأنف الاقتصاد توسعه التلقائي، وإيجاد فرص العمل.

وقد ركزت إدارة أوباما بصورة مفهومة على المهمة الفورية لتصميم برنامج المحفزات، في الوقت الذي لم توضح فيه إلا القليل حول كيفية تشجيعها للنمو الاقتصادي المستدام ذاتيا. ولكن في النهاية يتجلى هذا الأمر على أنه القضية الحاسمة البالغة الأهمية. ومن شأن حالات عجز الموازنة الحكومية المتسعة إلى درجة بعيدة ـ والتي تعكس زيادات الإنفاق وتخفيض الضرائب ـ أن تكون غير مجدية بصورة أساسية، كما سينتهي بها الحال إلى أن تكون مخيبة للآمال.

ويتم وصف تلك المحفزات على أنها شر لا بد منه، كما أنها بمثابة المظلة الواقية من السقوط الحر للاقتصاد. وتقليديا، يتم تقسيم الاقتصاد إلى أربعة قطاعات: إنفاق المستهلك، واستثمارات الشركات والإسكان، وصافي الصادرات، والإنفاق الحكومي. وتتسم القطاعات الثلاثة الأولى بالضعف. وطبقًا لمسح أجرته كونفرانس بورد منذ عام 1967، وتعتبر ثقة المستهلك في معدلات منخفضة قياسيا. ويعتقد 6% فقط من بين الأميركيين أن الوظائف متوافرة، ويرى 41% آخرون أنه ستتوفر وظائف أقل على مدار 6 أشهر. لقد انهارت مشاريع تشييد المساكن، فالشركات تخشى الشروع في استثمارات جديدة، كما أن الصادرات تعاني بدورها من الاقتصادات الأجنبية المتهاوية.

وإن لم تقم الحكومة بتحفيز الاقتصاد، فما الذي سيحدث؟ سيتمثل الخطر في أن يغذي التشاؤم والإنفاق المتقلص كل منهما الآخر، مما سيؤدي إلى انخفاض الناتج وارتفاع البطالة. وعبر تحفيز الإنتاج، والتوظيف، والثقة، ستهدف حزمة المحفزات إلى شراء الوقت. ومع ذلك، سترتفع البطالة، إذ تتوقع آي إتش إس غلوبال إنسايت أن البطالة ستصل إلى 9.2% مع طليعة عام 2010. إلا أنه سيتم انقلاب هذا السقوط الحر، فكما أوفى الأميركيون الذين اقترضوا فوق طاقاتهم بديونهم، سيرغبون في استئناف النزوع نحو الإنفاق المرتفع من جديد. وسينخفض مخزون المنازل المتضخم والمتراكم، وستزدهر من جديد عمليات التشييد، وستتم متابعة استثمار الشركات، وهنا تكمن النظرية.

وبالاستشهاد بجميع التقارير، ستكون حزمة المحفزات المالية ضخمة للغاية. ويعتقد ستانلي كوليندر ـ خبير الموازنة ذائع الصيت ـ بأنه من المتوقع أن يتخطى عجز الموازنة في عام 2009 مبلغ 1.3 تريليون دولار، أي حوالي 9% من الاقتصاد (إجمالي الناتج المحلي)، وهو ما يزيد 3 مرات على عجز موازنة عام 2008، والبالغ قوامها 455 مليار دولار، فيما ستقل نسبة إجمالي الناتج المحلي عن تلك التي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في عهد الرئيس رونالد ريغان، والتي بلغت زهاء 6 % في عام 1983.

إن ما تحتاجه الولايات المتحدة هو النمو الذي يقوده التصدير. والعقبة هنا أن الكثير من الدول ترغب في ذلك أيضا. وبينما يدل العجز التجاري الأميركي الكبير على الإنفاق الأميركي الزائد عن الحد، تدل الفوائض التجارية في الصين واليابان والدول الآسيوية الأخرى على زيادة الادخار لديهم. وفي الصين، يُقدر الإنفاق الاستهلاكي بـ35% من إجمالي الناتج المحلي، وذلك بناء على ملاحظات الاقتصادي نيكولاس لاردي في بيترسون إنستيتيوت (معهد بيترسون)، أي ما يمثل نصف المستوى الأميركي.

ويعتمد مستقبل الاقتصاد الأميركي على إيجاد مصادر جديدة للطلب الإنتاجي. وتعد هذه ممارسة داخلية جزئيا، إلا أنه يتطلب أيضا أن تقلل المجتمعات الأخرى من زيادة الادخار والتعويل على الصادرات. وهو ترتيب طويل، فمصيرنا ليس بأيدينا في مجمله، أو بين يدي باراك أوباما.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»