رجل من بلاد الصبر

TT

اختار أوباما مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، رجلا من بلاد الصبر، معما مخولا. والده ايرلندي من أرض المجاعة الكبرى والتشرد والعذاب، وأمه لبنانية، هاجرت وعرفت المشاق، وامتهنت ما كانت تتعلمه اللبنانيات آنذاك فور الولادة: رق العجين وخبز فطائر الزعتر. وفطائر اللبنة باللحم المفروم. وفي الفرن الذي كانت تديره المهاجرة من قرية بكاسين، نشأ جورج ميتشل ودرس وصار محاميا، وصار أحد أبرز زعماء الحزب الديمقراطي.

عرف ميتشل قضايا العرب من داخل ومن خارج. عن قرب وعن بعد. لكنه عرفها كأميركي. ولن نخدع أنفسنا برغم كل ما له من صداقات في العالم العربي، فهو في البداية والنهاية يمثل باراك أوباما وإدارته وسياسته. لكن لا يمكن إلغاء المشاعر من الإنسان ولا الميل إلى العدالة والإنصاف والسعي في سبيلهما. وقد دأبت الإدارات الأميركية حتى الآن على تعيين مبعوثيها إلى المنطقة من أصول يهودية وخلفيات سياسية مؤيدة لإسرائيل. وكان بعضهم يثير حفيظة الزعماء العرب قبل وصوله، ويثير غضبهم بعد ذهابه.

ويشبه تعيين ميتشل وسيطا في الشرق الأوسط، تسمية اللبناني الأصل فيليب حبيب مبعوثا لرونالد ريغان في الحرب اللبنانية. وكان حبيب قبل ذلك مفاوضا في محادثات فيتنام في باريس. وبرغم نحافة ميتشل وسمنة حبيب اللبنانية المألوفة، فإن القاسم المشترك بينهما هو «الريف الرخو» للمآكل اللبنانية التي عرفاها في الطفولة. والقاسم الأهم هو صبرهما على التفاصيل وطول الأناة والتحرك في دائرة واحدة عشرات المرات.

حدد أوباما في الأيام الأولى لوصوله نقطة الانطلاق في المنطقة بأن أعلن أن المبادرة العربية للسلام مليئة بالإيجابيات. وأرفق ذلك بتسمية رجل في صفات جورج ميتشل. وإن كان البعض قد توقع أن يعين بيل كلينتون. لكنني أعتقد أن ميتشل سوف يكون أكثر حرية واستقلالية وأقل تعرضا للضغط.

ولم يكن معقولا أن يضع الرئيس الجديد كل عناصر السياسة الخارجية في يدي رجل وزوجته. وقد عرف عن هيلاري كلينتون تعاطفها الكلي مع السياسات الإسرائيلية، ولذا فإن اختيار مبعوث من أصول عربية من شأنه أن يعدل في الصورة العامة.