غلطة كبرى

TT

يظهر أن إسرائيل لم تعط هجومها على غزة ما يستحقه من بُعد النظر، ولكن هذا هو ديدن الصهيونية في كل موقف. إننا نتهم أنفسنا بقصر النظر، ولكن الصهاينة أقصر نظرا منا بكثير. الحركة برمتها، وبما فيها إقامة الدولة اليهودية، برنامج قائم على قصر النظر. فبهجومهم البربري على غزة حولوا ما عرفناه بالصراع العربي ـ الإسرائيلي إلى صراع إسلامي ـ إسرائيلي. كانت إسرائيل تحارب بالأمس الفلسطينيين، ثم توسع الصراع فوجدت نفسها تحارب القوميين والبعثيين واليساريين العرب، وبقيت المسألة محصورة في المشرق العربي، وهو نطاق ضيق نسبيا. ولم يكن الطرف العربي فيه كفئا في المعركة، ولا أثار بخصوصيته العربية العلمانية مشاعر المسلمين على النطاق العالمي، غير أن إسرائيل غيرت هذه المعادلة بهجومها على حزب الله في لبنان سابقا، وحماس في غزة لاحقا. لكلا الطرفين أبعاده واتصالاته الإسلامية، وهما يستندان إلى تأييد جماهيري استشهادي حقيقي، تغذي نيرانه صيحة «الله أكبر»، ويأسهم من مصيرهم وحياتهم.

هذا واحد من الأسباب التي حركت العالم الإسلامي والمسلمين في المهجر ضد الهجمة الإسرائيلية. إنها هجمة على إخوان لهم في الإيمان، يشاركونهم صومهم وصلاتهم. ولسوء حظ إسرائيل أنها قامت بها في زمن الصحوة الإسلامية وتعالي شأفة المسلمين وتضامنهم وتغلغلهم في المجتمع الغربي، والمظاهرات التي جرت في عموم العالم الإسلامي مؤشرات على ذلك.

لم يكن الأتراك يعيرون أي اهتمام يذكر بالنسبة لما يجري في فلسطين، وإذا بمدنهم تعج بالمظاهرات ضد إسرائيل، ونطق رئيس حكومتهم بأقسى العبارات ضد إسرائيل.

كانت إيران في زمن الشاه قاعدة لإسرائيل، وأصبحت اليوم العدو اللدود لها، وهذه بداية الطريق. المتوقع الآن أن يتعمق التكاتف الإسلامي مع الفلسطينيين، وتتعاظم العمليات الاستشهادية على نطاق عالمي. لم يعد للفلسطيني ما يخسره غير حياته، وقد أظهرت له إسرائيل أن حياته لم تعد تساوي قرشين.

الغلطة الأخرى التي وقعت فيها تل أبيب هي أن ضربها لغزة وقضاءها على حماس سيساعد الحرب ضد الإرهاب، وهذا ما قيل عن غزو العراق وأثبت العكس، وما حصل في العراق سيحصل هنا أيضا، وهو أمر التفتت إليه المنظمات الإسلامية في بريطانيا، التي جاهدت وساندت السلطات في محاربة الإرهاب ونشر الإسلام المعتدل، وحذرت في رسالتها لرئيس الوزراء في الثامن من يناير (كانون الثاني) أن ما يجري في غزة سيعرقل جهودها ويفتح المجال للنشاط المتطرف. الخطر الأكبر من كل ذلك في رأيي يتعلق بالنسبة للطائفة اليهودية، في إعادة الحياة لمعاداة السامية، وقد سبق للمنظمات اليهودية والصهيونية أن سجلت تصاعدا فيها، كما اضطرت الشرطة البريطانية والفرنسية إلى مضاعفة الحماية للأحياء اليهودية، حيث سجلت في الأيام الأخيرة عدة حوادث معادية للسامية. هذا ما كنت أردده باستمرار، سيأتي اليوم الذي يكتشف فيه اليهود أن الصهيونية كانت عدوهم الحقيقي، وهو ما قلته بعاليه، الإسرائيليون ـ وليس العرب ـ هم الذين يعانون من قصر النظر.

www.kishtainiat.blogspot.com