أوباما وجارتي الأمريكية المسلمة

TT

حال الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليوم كحال جارتي الأمريكية قبل أكثر من ثلاثة عقود، حينما أعلنت إسلامها فتحول جل الطلبة العرب، الذين يعيشون في تلك المدينة الصغيرة «كاربونديل»، جنوب ولاية إلينوي إلى مراقبين لها، وأوصياء عليها، إن خرجت شعرة من خمارها دون قصد هبوا لاتهامها بالفسق، وإن عادت إلى بيتها متأخرة تساءلوا من أين جاءت، ومع من كانت، وإن تعالت أصوات الموسيقى في الجوار استرقوا السمع ليتأكدوا أنها لا تصدر من شقتها، مع أنهم لا يطبقون هذه الصرامة على أنفسهم، وكأنهم كانوا يبحثون عن مبرر للاختلاف معها، ولولا أن المرأة قد اعتنقت الإسلام عن فهم وقناعة لما استطاعت صبرا عليهم، وإن وجدت لدى القلة من العقلاء تفهما، وتعزيزا لموقفها.

اليوم أوباما الذي يرفع شعارات مثالية، وينادي باحترام الثقافات، وحقوق الإنسان، لا يجد الفرصة لالتقاط أنفاسه، فالكل يرمي شباكه بحثا عن اصطياد أخطاء له، ومنهم من يستبق الزمن بتخيلاته، ويصدر أحكاما متعجلة في حق الرجل، وكأن الذين اعتادوا صناعة الأعداء لا يستطيعون العيش بلا شيطان ـ من البشر ـ يحملونه وزر بعض ما يحدث لهم من مشكلات، حتى ولو كان جلها من صنع أيديهم، وبالتالي فإن إخراج رئاسة أمريكا من دائرة الأعداء سيترك فراغا مربكا لدى هؤلاء.

والمتطرفون الإسلاميون والمسيحيون على حد سواء في مقدمة الذين لم يطيقوا صبرا على أوباما، فـ«القاعدة» بادرته العداء منذ اللحظة التي رشح فيها نفسه للرئاسة، لأن بقاءها يرتكز على استمرار حالة العداء لأمريكا، ووجود رئيس أمريكي يدعو إلى السلام، واحترام الثقافات، وحقوق الإنسان يجردهم من ذرائعهم ومبرراتهم. ولا يختلف المتشددون المسيحيون عن المتطرفين الإسلاميين في تعجل الأحكام حول أوباما، فلقد انطلقت في ولاية كنساس الأمريكية عقب تنصيبه بعض المظاهرات، التي ترى أن انفتاحه سيهدم المسيحية، وأصدرت إحدى الكنائس المتعصبة فتوى أرسلت بمقتضاها أوباما إلى النار في حاشية من الذين انتخبوه، أو فرحوا بفوزه.

وما يعنينا من مختلف المواقف نحو أوباما أن لا يتعجل العرب خلع التصنيفات على الرئيس الأمريكي الجديد، سلبا أو إيجابا، وأن يدركوا أنه مهما كانت درجة انفتاحه على قضاياهم، فليس بمقدوره التعامل مع تناقضاتهم، وتعددية آرائهم، واختلافاتهم، التي تمتد إلى مختلف قضاياهم المصيرية والثانوية.

صحيح أن أمريكا هي دولة مؤسسات، وأن حركة الرئيس محكومة بالكثير من الضوابط، لكن أمريكا أوباما اليوم تهيمن عليها روح جديدة تسعى إلى رسم صورة أفضل لأمريكا في عيون العالم، والعرب يمكنهم الاستفادة من المزاج الأمريكي السائد إن أحسنوا عرض قضاياهم بمنهجية، وواقعية، وعقلانية، فالمزاج الأمريكي ليس دائما في حالة ثبات، وليس كل رئيس يأتي له نفس القيم التي رفعها أوباما، فهل يدرك العرب أنهم أمام فرصة تاريخية لا ينبغي إهدارها؟

[email protected]