الجهة الأخرى

TT

كان صحافي من سري لانكا آخر من قتل في سبيل المهنة والحقيقة. وقد كتب قبل أن تغتاله ضباع السلطة، أن الصحافة، دون سواها من المهن، تطلب من أهلها، أو تفرض عليهم، النطق بالمواقف مهما كان الثمن. لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن الكثيرين من الصحافيين يقتلون في عملهم. ومعظمنا يجهل مدى المعاناة ـ وليس الموت ـ التي يعيشها أولئك الذين ينقلون إلينا صور الجرحى والدمار والأطفال. ونحن لا نرى المشاعر التي ترتسم على وجه المصور وهو يرى أمامه جريحا ينازع، ولا يعود يعرف إن كان في إمكانه أن ينقذه أم أن يصوره وينجو.

لقد أصبحت هذه المهنة «مهنة المتاعب» أكثر من أي زمن مضى، لأن الحروب فقدت «أخلاقها» وأعرافها. وصارت حروبا بين الفانتوم والأطفال، أو بين الدبابات والمنازل. وفي الماضي كان للصحافي وضع خاص في القتال، لكن الحروب الآن تقصف سيارات الإسعاف ومخازن مؤن الطوارئ وصناديق الحليب المجفف.

لكن هل مهمة الصحافي أن يطلع الناس فقط على حقائق الحروب والموت؟ تابعت الصحافة الاقتصادية قبل وخلال الأزمة الكونية الحالية، ولاحظت أن الصحافي الذي يذهب طوعا إلى الجبهة قد لعب دورا مريبا أو متكاسلا أو مهملا في هذه الأزمة. لقد اكتفى بنقل الأحداث والانهيارات في مجرى وقوعها، وكأنه مجرد شاهد غير معني. في حين أن الكارثة التي حلت بشعوب الأرض، كانت تتطلب المزيد من الصدق والمزيد من بعد النظر، كما كانت تتطلب المبادرة في المطالبة بفرض الرقابة الملزمة في اقتصادات فالتة ومتهاوية، مثل الاقتصاد الأميركي، أو الكثير من اقتصادات العالم الثالث الواهية والمعرضة للتلاعب والنصب وغالبا التزوير. في الإمكان القول، بكل أسف، إن الصحافة العالمية، الاختصاصية منها والعامة، غابت في أزمة عالمية بهذا الحجم غيابا لا مبرر لحجمه ولاستمراره. وربما يكون أكثرها قد لعب لعبة الشركات والرأسمال بدل لعبة الضمير والناس العاديين.