اطلب «الفهم» ولو في الصين

TT

إدارة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية، رئيس جديد وبسياسات وتوجهات تبدو في ظاهرها أن فيها اختلافا عن سيئ الذكر جورج بوش وجماعة المحافظين الجدد التي كانت معه. وستسعى الحكومات العربية بشكل دؤوب إلى التواصل معها لإفهامها وشرح الواقع الأليم في الشرق الأوسط، وكيف أن السياسات المنحازة لإسرائيل ساهمت في تمكين هذه الدولة المارقة من القيام بممارسات نازية دموية بلا رحمة ولا هوادة، لأنه باختصار لا رادع أخلاقيا للآلة المسعورة المميتة في إسرائيل. ويبدو أنه آن الأوان للتفكير بروية وحكمة «خارج الصندوق» والتوجه شرقا نحو التنين الصيني. الصين اليوم ليست الصين التي عرفها الناس في الأمس. اليوم الصين لها حضورها المؤثر على الساحة الدولية عبر تنامي ثقلها الاقتصادي الواضح، خاصة في آسيا وأفريقيا، مع عدم إغفال دورها كشريك تجاري رئيسي مع الدول الصناعية الكبرى. وقد أظهرت النتائج الأولية للأزمة المالية العالمية أن الضرر الذي أصاب الاقتصاد الصيني أقل مما أصاب دولا أخرى مثل أمريكا وبريطانيا.

وكذلك حجم الثقل الاقتصادي للجالية الصينية في الشتات، وتحديدا في آسيا وفي دول مثل إندونيسيا والفلبين وماليزيا وتايوان وسنغافورة وتايلند، هو حجم كبير ومحوري، ولديها القدرة الفعالة على التأثير وإحداث التغيير الكبير وبنتائج مبهرة. واليوم تقيس الصين وجودها في أفريقيا، ليس بقدر المبالغ التي تصرفها فيها، ولكن بعدد الصينيين الذين ينتقلون إليها، وتنوي الصين أن يكون في أفريقيا عشرون مليونا من مواطنيها بحلول عام 2020، وعدد الصينيين فيها اليوم بالكاد يتجاوز المليوني نسمة. الصين ليس بها الإرث الساكسوني المعروف تجاه اليهود، وعقدة الذنب نتاج الإحساس بتقصيرهم في الدفاع عنهم ضد جرائم النازية والمحارق التي تلتها بحقهم. والصين ليست فيها العلاقة المجنونة بين اليمين المسيحي المتطرف وصهيونية إسرائيل التي تعميهم عن الحق. الثقافة الشعبية في العالم العربي اليوم لا تعرف عن الصين اليوم سوى أنها مصدر لمنتجات رخيصة، وأن مطبخها يقدم بعض الأطعمة المحببة، ولكن الصين أهم من ذلك، وآن الأوان لانفتاح حقيقي عليها، وبناء مصالح مشتركة معها. الصين فيها أقلية مسلمة ليست بالقليلة، وهذه نقطة انطلاق يجب أخذها بعين الاعتبار لبناء الجسور مع البلد الأم، ولكن الحذر الشديد مطلوب، مع عدم تلبية الدعوات المتطرفة التي تنادي بدعم الحركات الانفصالية المسلمة، التي ترغب في قيام دويلات مستقلة، وهذا طبعا لن يتم إلا بعد إراقة الدماء وأرتال من القتلى، ولا داعي لذلك كله، طالما العبادات تمارس بحرية تامة كما هو حاصل الآن. ومن الضروري الاتعاظ بما حصل في قضية كشمير مع الهند، مما ولد علاقة مضطربة وغير سوية مع العالم العربي، كان من الممكن تفاديها لو كان هناك بعد نظر سياسي في التعاطي مع هذه المسألة السياسية الداخلية للهند. الصين تمثل فرصة استثمار طويل الأجل للعلاقات العامة في دنيا السياسة، وتبقى ضرورة التحرك المبكر للاستفادة.

[email protected]